أمينة خيري
سائق الأوبر أمريكي أسود. يقود «تسلا» بيضاء. قارئ نَهِم – كما يبدو من حديثه – لكن مصادر القراءة تظل غامضة.. ربما تكون تدوينات ومنشورات أصدقاء له على السوشيال ميديا، لكن المؤكد أيضاً أنه مُطّلع على الأخبار، باحث عن التحليلات ولكن المطابقة، أو فلنقل المتقاربة لتوجهاته. لا تعجبه الإدارة الأمريكية الحالية، ولكن تغلب على أسباب رفضه ما يسميه «معاودة الإصرار على التأكيد على الفوقية البيضاء». يسرد قصصاً وحكايات عن وصول الأفارقة السود إلى أمريكا.. قبل كريستوفر كولمبس بعقود، لا عبر سفن «العبيد» أو الإجبار على الإبحار، بل عبر سفن الاستكشاف التي تم إرسالها محملة بالرجال والذهب، لا بالعبيد والفقراء.
وتتضح الرؤية أكثر، بحديث الرجل عن الأهرامات الموجودة في ربوع أمريكا، وهو ما يثبت – بحسب رؤيته – أن الأفارقة السود لا البيض أو أي نوع آخر، هم مَن استوطنوا هناك.. قبل الأوروبيين. ينظر في المرآة ويسأل: هل تعرفين الأهرامات؟ أستغل الفرصة وأجيب ببراءة: أليست هذه المباني المثلثة كتلك التي نرى صورها في مصر؟ قال: نعم! هذا جزء مما بنينا! ولكننا شيَّدنا أيضاً الكثير منها.. في أماكن أخرى في العالم منذ مطلع التاريخ، بل هناك مَن بنى أهرامات هنا أيضاً. هناك هرم في ولاية ألاباما.. بناه السكان الأصليون (الهنود الحمر). سألته عن اسم الهرم في ألاباما، فأخبرني: «ماوندزفيل». ثم أضاف: ربما يكون هذا الهرم أقدم من أهرام «كيميت». (اسم مصر القديم ويعني الأرض السوداء.. نسبة إلى طمي نهر النيل الأسود).
حديث سائق الأوبر.. المتخم بنظريات وقناعات واتجاهات مشبعة، ليس فقط بحقوق السود – التي لا جدال فيها أو انتقاص منها – ولكنه غارق على ما يبدو في نسب إنجازات التاريخ العظيمة للسود، سواء كانوا أنجزوها بالفعل أو أنجزها غيرهم.
ما سرده السائق لم يكن كذباً (من وجهة نظره)، أو ادعاء (حسب قناعاته). كان ما تم تلقينه إياه، وما ناسب رغباته وأمنياته، وما يُرضي غروره ويُكسب نفسه ثقة، ربما يفتقدها.
وعلى الرغم من غرق السائق «المثقف» «القارئ».. في مفاهيم «الأفروسنتريك» أو «الحركة المركزية الأفريقية»، فإنني لم أنزعج كثيراً، لا لنقص في الوطنية، ولكن لأن مواجهة الفكر المغلوط، وتزوير التاريخ والجغرافيا.. لا يعالج بالصراخ أو الصياح، أو منع مَن يعتنقون نظرية مشوهة من الكلام أو الاقتراب، ولكن بالتوضيح والشرح ونشر المعرفة بشكل مستدام، وليس فى حالات الطوارئ فقط. المركزية الأفريقية تحاول علاج تاريخ الاستعمار والعبودية.. عبر الاستحواذ على ما لا يملكون، وكأنها حركة انتقامية.
الرحلة لم تستغرق سوى 25 دقيقة. لذا، كل ما قمت بعمله.. هو إمداده بموقعين موثوقين بالإنجليزية، يستمد منهما معلومات موثقة عن مصر وتاريخها، وهذا أضعف الإيمان.
أما حديثه عن السياسة الأمريكية، واعتراضه على ما يجري، ورفضه للدور الذي لعبه إيلون ماسك في الإدارة الجديدة، فلم يسعني سوى الإشارة إلى الـ«تسلا» التي يقودها.
هنا قال: باستثناء «تسلا»، «ماسك»، أضر هذا البلد كثيراً!
نقلاً عن «المصري اليوم»