عبدالقادر شهيب
بنجاح انتهت المفاوضات الأمريكية-الروسية التي جرت في السعودية.. حسما أكد كلا الطرفين وأعربا عن ارتياحهما لهذا النجاح، وقول ترامب إنه من المحتمل أن يلتقي بوتين في السعودية قبل نهاية هذا الشهر..
… بذلك يتبين أن إنهاء حرب أوكرانيا يقترب، رغم صياح الرئيس الأوكراني، واعتراضه على عدم مشاركة بلاده في مفاوضات السعودية، ورغم تحفز الدول الأوروبية.. لتقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا، وتحفظها على الاندفاع الأمريكي لإنهاء هذه الحرب.. مع احتفاظ روسيا بما استولت عليه قواتها من أراضٍ، تريد أوكرانيا استعادتها.
وعلى النقيض، لا تخطو إدارة ترامب ذات الخطوات الجادة.. لإنهاء حرب غزة، بل على العكس تماماً، فإن ترامب أعرب عن موافقته لاستئناف القتال.. الذي أوقفه اتفاق وقف إطلاق النار، وتبادل المحتجزين الإسرائيليين في غزة والأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل.. هنا يفرض السؤال نفسه: لماذا يتحمس ترامب لإنهاء حرب أوكرانبا سريعاً، ولا يتحمس لإنهاء حرب غزة بنفس السرعة؟!..
أو لماذا كرَّس جهده لإنهاء حرب أوكرانيا، ولم يفعل ذلك بالنسبة لحرب غزة، بل على العكس. لا يمانع في اندلاع القتال مجدداً في قطاع غزة، وسبق أن هدد أهله بالجحيم، وقال إنه يؤيد كل ما تتخذه إسرائيل من قرارات، ومن بينها خرق اتفاق وقف إطلاق النار، واستئناف الحرب مجدداً؟!
يمكننا العثور على إجابة هذا السؤال لدى الرئيس الأمريكي ترامب ذاته.. فهو متحمس لإعادة العلاقات الأمريكية-الروسية، التي تضررت كثيراً وتأزمت.. بسبب حرب أوكرانيا، ليتفرغ لمجابهة الصين.. التي يراها العدو الأول لأمريكا، ويتعين وقف صعودها الاقتصادي، حتى لا تسبق أمريكا اقتصادياً، وتصير هي الاقتصاد الأول والأكبر في العالم. وهذا كان واضحاً في مباحثات السعودية، التي انتهت برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين أمريكا وروسيا..
كما أن ترامب لا يحمل مشاعر طيبة تجاه الرئيس الأوكراني.. منذ أن رفض قبل سنوات طلبه الخاص بإدانة ابن بايدن.. في تعاملات البيزنس مع جهات أوكرانية، وقد وصفه مؤخراً بأنه يفتقد الكفاءة وقال إنه لا يحبه..
ولذلك يوافق ترامب على معظم طلبات روسيا.. لوقف الحرب الأوكرانية، على عكس الأوروبيين. وهو مستعد للضغط على أوكرانيا، لتقبل بالطلبات الروسية، التي تتمثل في تقنين احتفاظها بما سيطرت عليه عسكرياً من أراضٍ في منطقة الدومباس، وعدم انضمام أوكرانيا للناتو.. بل إنه بدأ بالفعل الضغط على أوكرانيا.. بمطالبتها برد ما حصلت عليه من أموال أمريكية، قدرها بنحو 350 مليار دولار!
وفي المقابل، فان ترامب يتبنى كل ما يتبناه اليمين الإسرائيلي المتطرف.. فهو لا يوافق على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلةَ، بل على العكس يعتقد بضرورة استيلاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بعد طرد الفلسطينيين منها لزيادة مساحتها..
وهذا يلقى رفضاً فلسطينياً – بل وعالمياً أيضاً – بدا واضحاً في رفض مشروع ترامب الخاص بتهجير أهل غزة لمصر والأردن ،وتحويلها إلى ريفيرا جديدة تسيطر عليها أمريكا، بعد أن تسلمها لها إسرائيل كما قال. وهكذا وقف حرب غزة أصعب من وقف حرب أوكرانيا. فإن ترامب في مقدوره الضغط على زيلينسكي.. ليقبل بتقديم ما يلزم من تنازلات تقنع الروس بوقف الحرب، ويمكنه أقناع أوروبا بعدم عرقلة جهوده لإنهاء هذه الحرب، خاصة بعد أن وافق لها على إرسال قوات لحماية أوكرانيا..
وعلى العكس تماماً فإنه لا يرغب أن يضغط على إسرائيل.. للاعتراف بالحقوق الفلسطينية في الاستقلال والتحرر من الاحتلال، وإقامة دولتهم المستقلة على أراضي الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشرقية.. وفي ذات الوقت فإن أفكاره – التي اعتبرها الكاتب الأمريكي الشهير فريدمان خارج العقل – الخاصة بطرد الفلسطينيين من أرضهم – تواجه رفضاً واستهجاناً عربياً وعالمياً واسعاً..
وهو ما يعني أن ثمة صعوبات جمة وكبيرة تواجه ترامب في فرض الحل الذي يشارك فيه اليمين الإسرائيلي المتطرف.. لذلك اهتم بما هو أسهل وأسرع لتحقيق إنجاز فيه؛ وهو وقف الحرب في أوكرانيا أولاً قبل حرب غزة، خاصة أن ذلك يؤثر مباشرة على استراتيجية الأمن الأمريكي، التي تهتم بمواجهة الصعود الاقتصادي الصيني. بينما ما يحدث في الشرق الأوسط لا يؤثر بذات الدرجة على استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.
نقلاً عن «أخبار اليوم»