عمرو الشوبكي
مازالت إيران متمسكة بسياساتها الخارجية.. الخاصة بعدم التنازل عن تخصيب اليورانيوم،
واستمرار برنامجها النووي.. لأغراض سلمية. وفي نفس الوقت، لايزال نظامها السياسي متمسكاً
بخياراته في الداخل، ويعتبر نفسه انتصر.. في معركته مع إسرائيل.
وقد طُرح – عقب الحرب الإيرانية-الإسرائيلية – سؤال يتعلق بإمكانية أن تراجع إيران سياساتها
الداخلية والخارجية.. أو على الأقل جانباً منها. وأن من الوارد أن يطرح كثير من الإيرانيين..
أسئلة حول جدوى المنشآت النووية، ونسب التخصيب المرتفعة، ورفض التعاون مع وكالة الطاقة
الذرية، وكيف أن هذه السياسات.. جلبت الحرب والحصار، دون أن تحقق غرضها في الردع
النووي.
مسألة التغيير والإصلاح في إيران واردة؛ ولكن من داخلها، وليس من خارجها.. عبر غزو أو
هجوم عسكري. وإن السؤال حول نتائج الحرب الأخيرة على المجتمع الإيراني؛ خاصة بعد
الأضرار التي لحقت بالمفاعلات النووية، واستهداف قادة عسكريين من الصف الأول، وعلماء
ذرة (قتلت إسرائيل 17 عالماً نووياً إيرانياً)، واعتبار الكثيرين أن توقف الحرب.. يعني تراجع
«الإجماع الوطني».. الذي يناله أي نظام سياسي في مواجهة العدوان الخارجي، خاصة أن هناك
كثيراً من الشباب الإيراني.. يرغب أن يعيش حياته بشكل طبيعي، ويسافر إلى دنيا الله الواسعة..
دون قيود المقاطعة والعقوبات والحرب.
وسيصبح من الصعب على بلد، أن يبقى إلى ما لا نهاية.. يعاني من العقوبات، حتى لو صمد
وأبدى قدرة على المناورة.
أسئلة ما بعد الحرب.. في أي مجتمع حيوي – مثل المجتمع الإيراني – ستُطرح، رغم القيود
المفروضة على القوى السياسية والتيارات الإصلاحية. وسيصبح من الوارد تصاعد تأثير تيار..
يقلص صلاحيات المرشد السياسية، والإبقاء عليه كرمز ديني وروحي.. مستمد من الثقافة
الشيعية. فقد باتت هناك فرص لتحقيق هذا الهدف.. بشكل تدريجي؛ خاصة إذا غاب المرشد
الحالي، وجاء بدلاً منه شخصية لا تمتلك نفس التأثير الداخلي.. الذي تمتع به المرشد المؤسس آية
الله الخميني، أو المرشد الحالي علي خامنئي.
إن رأس السلطة الحقيقية في إيران.. هو رجل دين – أي مرشد الجمهورية المرتبط بنظرية ولاية
الفقيه التي وضعها الإمام الخميني – وليس الرئيس المنتخب من الشعب. وإذا استطاع المجتمع
الإيراني أن يحل هذه الإشكالية، ويعزز من سلطة المؤسسات المدنية المنتخبة، وتصبح عندها
إيران دولة طبيعية.. بلا أذرع تتدخل في شؤون الدول الأخرى، ولا سلطة دينية فوق السلطة
المدنية، فإن هذا يعني أن تغييراً كبيراً حدث في إيران، وفي المنطقة.
على الرغم مما يبدو على السطح.. من أن الحرب الأخيرة لم تؤثر في إيران، وأنها مازالت تقول
نفس الكلام.. فيما يتعلق بتوجهاتها الداخلية والخارجية، إلا أن هذا لا يعني غياب أي تداعيات
لهذه الحرب، وسيصبح من الوارد أن تراجع طهران جوانب كثيرة في سياساتها.. نتيجة تفاعلات
داخلية، وليس نتيجة حرب خارجية.. تشنها أمريكا أو إسرائيل.
نقلاً عن «المصري اليوم«