Times of Egypt

إيران مسرح «صدام الحضارات»! 

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

تبقى النظريات الفكرية والسياسية حبيسة الكتب والمعاهد العلمية، إلى أن تجد زعيماً أو شخصية استثنائية، يقوم بإنزالها من سماء التنظير ونقاش الأبراج العالية.. إلى الواقع. 

نظرية «صدام الحضارات» – لصاحبها صمويل هنتنجتون عالم السياسة والمفكر الأمريكي المحافظ (1927- 2008) – ظلت مثار نقاشات علمية عنيفة.. بين مؤيد ورافض، إلى أن جاء ترامب فحوَّلها إلى استراتيجية، شرع في تنفيذها منذ دخل البيت الأبيض.. إلى أن بلغ الذروة مع إيران. انتصرت رؤية هنتنجتون – بعد 32 عاماً من ظهورها، و17 عاماً من وفاته – لدرجة أن المؤرخ الأمريكي نيلز جيلمان قال: إن هنتنجتون يبتسم الآن في قبره.

قدَّم هنتنجتون نظريته.. رداً على نظرية المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما.. «نهاية التاريخ»، التي اعتبر فيها أنه – بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والشيوعية – أصبح النظام الليبرالي هو المستقبل. كانت المؤشرات تشير إلى أن العالم يعيش حقبة ليبرالية؛ أهم سماتها العولمة والتجارة الحرة، وسعي الدول إلى حل النزاعات.. من خلال المفاوضات، برعاية المؤسسات الدولية. 

هنتنجتون كانت له رؤية أخرى. اعتبر أن فوكوياما خيالي. 

استشرف المفكر – المحافظ الواقعي – عالماً يتميز بالصراع المستمر.. حول قضايا لم تكن مثارة خلال الحرب الباردة. أساس الصراع.. الحضارات؛ وفي مقدمتها «الغربية» و«الكونفوشيوسية» و«الإسلامية» و«الأرثوذكسية» و«اللاتينية الأمريكية»، وربما «الأفريقية». قال هنتنجتون إن صدام الحضارات أشد تهديداً للسلام العالمي.. مما سبقه من صراعات، وإن الاختلاف الثقافي سيكون شكلاً أساسياً لحالة عداء لن تنتهي. توقع أيضاً أن تكون كراهية المهاجرين.. أحد أهم بنود السياسات الداخلية للدول.

حتى 2014، كان النظام الدولي يعمل وفق نظرية فوكوياما، إلى أن ظهر من يسمون «الرجال الأقوياء»، وسيطروا على قيادة العالم؛ بوتين في روسيا، وتشي في الصين، ومودي في الهند.. وغيرهم. التحول الأكبر كان انتخاب ترامب 2016، الذي أطلق الرصاصة الأخطر في صدام الحضارات؛ حرب لا هوادة فيها ضد المهاجرين. حرمان مواطني عشرات الدول خاصة المسلمة.. من دخول أمريكا. تصريحات جاهلة وغبية عن الإسلام، على شاكلة «الإسلام يكرهنا». نعت الأفارقة بصفات التخلف والهمجية. استهداف الصين. 

ثم جاءت رئاسة ترامب الثانية.. تدشيناً فعلياً لصدام الحضارات. عبر عشرات القرارات التي أصدرها – منذ عودته للبيت الأبيض يناير الماضي – بدأت الحرب على جبهات حضارية عدة. الصين تم استهدافها بشكل رئيسي.. في معركة الرسوم التجارية. ترحيل المهاجرين من أبناء الحضارة الأمريكية اللاتينية. هناك دول تنتمي للحضارة الغربية.. نالها من عقابه جانب، إلا أن الخلافات.. غلبت عليها قضايا التجارة.

حرب إسرائيل الراهنة على إيران، أهم خطوة في تحويل نظرية صدام الحضارات.. إلى واقع. لم يكن أحد يتوقع أن تصدر عن رئيس أمريكي.. مواقف بهذه الحدة والانحياز، ونبذ المنطق؛ مما يؤشر إلى أن المسألة ليست سياسة فقط، بل تعبير عن رؤية انتقامية.. ضد شعب يراه مختلفاً ثقافياً وحضارياً. تصريحاته بشأن القادة الإيرانيين، تنم عن احتقار ورفض لكل ما يمثلونه؛ ليس كأشخاص، بل كحكام أمة.. من المفترض أنها وريثة حضارة عظيمة. 

في التسعينيات، روجت أمريكا للنظام الليبرالي، لكنها – بقيادة ترامب – تسعى إلى قتله.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة