أحمد الجمال
شاء التقويم الميلادي أن يكون يوم أول أمس.. الأربعاء، هو اسم اليوم الموافق 23 يوليو 1952،
وهو اليوم الموافق 23 يوليو 2025؛ أي أن ثلاثة وسبعين عاماً مرت على ذلك الحدث، الذي شاء
التاريخ أن يكون نقطة فاصلة.. في مسيرة مصر عبر الزمن، وبغير مبالغة.. مسيرة أوضاع
عشرات الدول في الإقليم وفي القارة الأفريقية وأمريكا الجنوبية وآسيا.. ثم مسيرة العلاقات
الدولية، ومراحل طويلة من الصراع بين أفكار ومبادئ وتوجهات وسياسات واستراتيجيات.
وشاء التاريخ أيضاً – ومعه السياسة والاجتماع والاقتصاد والفلكلور وغيره – أن تبقى ثورة يوليو
وقائدها وأفكارها ومبادئها وسياساتها وإيجابياتها وسلبياتها؛ مثار نقاش.. يصل لدرجة الاحتدام
حتى الآن. ولعل من يطالع صفحات الرأي في «المصري اليوم» – ومعها أعمدة بعض الكتاب –
يجد مصداقية لما أذهب إليه.
وبمناسبة ذلك الاحتدام أعترف – ربما لأول مرة – بأنني كم تمنيت أن نصل لمحصلة تاريخية..
فيها رصد علمي موضوعي – بقدر الإمكان – لدروس ذلك المسار التاريخي، وأن يمنَّ الله –
سبحانه وتعالى – بالشفاء لمن يعانون «متلازمة يوليو وعبد الناصر» – التي تتكرر إصابتهم بها
في أكثر شهور السنة، لأنه ما من شهر ميلادي – وربما هجري أيضاً – إلا وفيه مناسبة مرتبطة
بيوليو وناصر!
وهذا دعاء صادق، لأنه إذا استجيب.. فستكون فرصة لكي يوفر كثيرون – منهم العبد لله – جهد
الرد والتفنيد والاختلاف، وأحياناً السخرية والتهكم، لأننا في هذا الموال الرديء – أو الأسطوانة
المشروخة – منذ 1974 على الأقل، ولو عمدت إلى ذكر الأسماء.. التي تناوبت، وتعاقبت،
وتوارثت، وكوفئت.. للقيام بالمهمة؛ حتى أدمنوها، وأضحت متلازمة مرضية معدية. لما اتسعت
المساحة.
ولذلك أقول «ما علينا».. لأنتقل إلى ما أظن أنه مفيد، وأتجه إلى الحوار العلمي الرصين
والممتع، الذي أداره منذ عدة أيام الإعلامي المتميز شريف عامر، مع العالم الجليل الأستاذ
الدكتور هاني سويلم – وزير الري المصري – حول الثروة المائية المصرية ومواردها وحجمها،
ومشروعاتها وحاضرها ومستقبلها، والجهود العلمية والتطبيقية الجبارة – التي بُذلت وتبذل
وستبذل – من أجل تعظيمها، ومواجهة كل السيناريوهات؛ سواء المتعلقة بالمياه العذبة، أو
المتصلة بالمياه المالحة، خاصة البحر المتوسط واحتمالات ارتفاع منسوبه.
وقد أوضح الوزير أن علماء وخبراء الوزارة والجامعات ومراكز البحث – المعنيين بالقضية –
يعملون على أساس مواجهة الاحتمال الأكثر تشاؤماً وسوءاً، وهو أن يزداد ارتفاع ماء المتوسط
متراً آخراً؛ لأن الاحتمالين الأقل سوءاً.. هما أن يصل إلى سبعين سنتيمتراً، أو إلى اثنين وستين
سنتيمتراً.
وفي هذا الحوار ذكر الوزير أرقاماً، وقدَّم شرحاً مبسطاً.. لمسائل علمية معقدة، ومنها ندرك حجم
الجهد المبذول، الذي ارتفع بموارد مصر من المياه العذبة.. ليضيف حوالي 35 مليار متر مكعب
إلى حصتنا من مياه النيل، البالغة حوالي خمسة وخمسين مليار متر مكعب.
ثم كان لا بد من ذكر السد العالي، ليسأل الإعلامي شريف عامر الوزير عن رأيه.. في الاتجاهين
المتضادين: اللذين يذهب أحدهما.. إلى أن السد العالي مشروع كبير، وله دور مهم ورئيسي في
حياة المصريين.. إلى آخر الإيجابيات. والرأي الآخر.. الذي يذهب إلى أنه سبَّب خراباً ودماراً
وكله سلبيات.
وجاء رد العالم الجليل المتخصص – ذي المكانة العلمية العالمية – ليقول: إن السد العالي هو
حامي الحمى لمصر، وأهم منشأ في القرن العشرين في العالم كله، ليس هندسياً فقط ولكن أيضاً
لتأثيره في مجمل حياة شعب مصر.. وهو مشروع عبقري.. وهو الذي جعلنا نتحمل مراحل ملء
السد الإثيوبي، ولولاه لما تمكنا من المواجهة والاستمرار في الحياة، ورغم أن لكل سدود العالم
إيجابيات وسلبيات.. إلا أنه – لا يمكن بحال من الأحوال – عقد مقارنة بين إيجابيات السد العالي
وسلبياته.. وقولاً واحداً هو: أنه حامي الحمى لمصر!.
وبالمناسبة فقد كتب أحد ضحايا «السيندروم إياه» مقالاً عن ترامب والنيل، وذكر أسماء محمد
علي باشا والملك فاروق والأسرة العلوية.. عند الحديث عن مشاريعهم المائية، وعندما جاء الكلام
للسد العالي وبحيرة ناصر.. تمكنت منه المتلازمة، فلم يذكر اسم جمال عبدالناصر ولا استخدم
الاسم المعتمد في الأطالس العالمية للبحيرة، وهو بحيرة ناصر. ثم قفز للرئيس السيسي، والحمد
لله أنه ذكر اسمه.
تحية للثورة الخالدة – في عيدها الثالث والسبعين – وتحية لقائدها، وستبقى الثروة البشرية الهائلة..
التي أهلتها الثورة، وسيبقى السد العالي، وبحيرة ناصر.. شاهدين عظيمين.. على عظمة
المحروسة.
نقلاً عن «المصري اليوم«