كشف التقرير السنوي الصادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي أن التمويلات التنموية الميسّرة التي حصل عليها القطاع الخاص خلال عام 2024 بلغت نحو 4.2 مليار دولار، متجاوزة بذلك التمويلات الحكومية لأول مرة، والتي بلغت 3.2 مليار دولار، منها 1.8 مليار دولار لدعم الموازنة، و300 مليون دولار على هيئة منح تنموية.
ويأتي هذا التحول في سياق استراتيجية واضحة تتبناها الدولة لدعم القطاع الخاص وتمكينه كقوة دافعة لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال التوسع في التمويل التنموي الميسر، وتوفير التسهيلات الائتمانية لاستيراد السلع الاستراتيجية، خصوصًا عبر المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة.
جاء هذا ضمن التقرير السنوي لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي لعام 2024، والذي أصدرته الوزارة مؤخرًا للعام الخامس على التوالي تحت عنوان: “استقرار الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية والدبلوماسية الاقتصادية لدفع التنمية الاقتصادية المستدامة”. ويأتي التقرير ضمن إطار حرص الوزارة على الشفافية والحوكمة، وتكريس نهج الإفصاح ومشاركة المواطنين وشركاء التنمية في رصد نتائج جهود التنمية الوطنية.
وقد تم الإعلان عن التقرير خلال فعالية رفيعة المستوى، بحضور عدد من المسؤولين المحليين والدوليين، من بينهم وزير العمل محمد جبران، ورئيس معهد التخطيط القومي الدكتور أشرف العربي، وممثلو الاتحاد الأوروبي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي، والوكالة اليابانية للتعاون الدولي، وشركاء تنمية آخرين.
يتصدّر التقرير رسائل الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مشاركاته الدولية البارزة في قمة “بريكس بلس”، وقمة مجموعة الدول الثماني النامية، وقمة العشرين بالبرازيل، إلى جانب كلمة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، الدكتورة رانيا المشاط، التي أكدت أن صدور التقرير السنوي بشكل منتظم منذ عام 2020 يأتي تجسيدًا لالتزام الوزارة بالشفافية ومبدأ الإفصاح.
وأوضحت الوزيرة أن التقرير يعكس جهود الوزارة في دمج أبعاد الاستدامة، وتفعيل حوكمة الإنفاق الاستثماري، وتنفيذ خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى صياغة إطار جديد لإعداد الخطط الاستثمارية، يستند إلى مرتكزات رؤية مصر 2030.
خمسة أجزاء.. واثنا عشر فصلًا للتنمية
يتكوّن التقرير من خمسة أجزاء واثني عشر فصلًا، توثق أنشطة الوزارة خلال العام المنصرم، خاصة بعد دمج حقيبتي التخطيط والتعاون الدولي ضمن التشكيل الحكومي الجديد. ويركز الجزء الأول على الحوكمة والاستثمارات العامة، بينما يستعرض الجزء الثاني جهود توطين أهداف التنمية المستدامة والتعاون الإقليمي والدولي، ويغطي الجزء الثالث سياسات استقرار الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية، أما الجزء الرابع فيسلّط الضوء على تمكين القطاع الخاص، ويختتم التقرير بجزء خامس عن التحول إلى الاقتصاد الأخضر والاستثمار في رأس المال البشري.
ومن أبرز ما يتضمنه التقرير، استعراض “إطار الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية”، الذي أطلقته الوزارة بعد إعادة هيكلة الحكومة، ويعكس هذا الإطار التحول نحو مقاربة تنموية أكثر شمولًا تركز على نوعية النمو وأثره الاجتماعي، وليس فقط على معدلاته.
يرتكز الإطار على ثلاثة محاور رئيسية: صياغة سياسات تنموية قائمة على البيانات والأدلة لتحديد الفجوات والفرص، بناء اقتصاد مرن قائم على إصلاحات هيكلية تعزز تنافسية السوق، والتحول الأخضر من خلال آليات تمويل متكاملة، تحشد الموارد المحلية والدولية لصالح القطاعات ذات الأولوية، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال والبنية التحتية المستدامة.
كما سلط التقرير الضوء على إطلاق “الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية”، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى جانب اعتماد منهجية جديدة لإعداد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2025/2026، تضمن التوافق مع أولويات رؤية مصر 2030، وتواكب مستهدفات الاستراتيجيات القطاعية، في إطار تطبيق قانون التخطيط العام.
مؤشرات إيجابية وتعافٍ في النمو
وسجل التقرير تعافيًا ملحوظًا في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام المالي 2024/2025، بدعم من تحسن أداء قطاعات استراتيجية مثل الصناعات التحويلية غير البترولية، في ظل تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية.
وشدد التقرير على الدور المتصاعد لمصر في المحافل الدولية، من خلال زيارات رفيعة المستوى شملت المفوضية الأوروبية في بروكسل، واجتماعات البنك الدولي، ومنتدى دافوس، وزيارات ثنائية لإيطاليا واليابان. كما عكست هذه الجولات حرص مصر على تعزيز شراكاتها التنموية وتوسيع نطاق التعاون الدولي.
إصلاحات هيكلية وتحفيز الاقتصاد الحقيقي
وفي سياق متصل، استعرض التقرير نتائج البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، الذي تتولى الوزارة متابعته بالتعاون مع شركاء التنمية. ويهدف البرنامج إلى تنويع القاعدة الإنتاجية، وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، ودعم قطاعات الاقتصاد الحقيقي، وفي مقدمتها الصناعة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات، مع التركيز على إصلاحات بيئة الأعمال، والتوسع في الاقتصاد الأخضر، ورفع كفاءة سوق العمل والتعليم الفني.
دعم الشركات الناشئة وتفعيل “حافز”
كما أشار التقرير إلى إطلاق المجموعة الوزارية لريادة الأعمال، برئاسة وزيرة التخطيط، والتي تستهدف دعم الشركات الناشئة وتعزيز الابتكار. وسلط التقرير الضوء على المنصة الحكومية “حافز”، التي توفر دعمًا فنيًا وماليًا مباشرًا للقطاع الخاص، باعتبارها أداة استراتيجية لتمكين المستثمرين المحليين والدوليين.