Times of Egypt

الاقتصاد المصري في مفترق الطرق

M.Adam
عمر إسماعيل

عمر إسماعيل* 


إن قراءة المشهد الاقتصادي – في ظل التعرفات الجمركية الجديدة، التي فرضتها الولايات المتحدة على
الصادرات المصرية – تقتضي منا أن نتجاوز حدود الأرقام، ونتفحص شبكة العلاقات الاقتصادية الدولية،
وما يترتب عليها من تداعيات سياسية واقتصادية.
السياق العام للقرار الأمريكي
لم يكن القرار الأمريكي.. بفرض تعرفات جمركية على العديد من الدول؛ ومنها مصر، مجرد إجراء
اقتصادي بحت، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تحت شعار «أمريكا أولًا». هذه السياسة تسعى إلى
إعادة توطين الصناعة الأمريكية داخليًا؛ بغرض استقطاب الناخب الأمريكي، والوفاء بوعود حماية
الوظائف المحلية.. التي قدمها ترامب اثناء الانتخابات الاخيرة.
قد تثبت هذه التجربة أن مثل هذه السياسات الحمائية (Protectionism) – وإن بدت جذابة على المدى
القصير – أنها قد  تخلق اضطرابات في السوق العالمي، وتدفع الدول المستهدفة.. إلى البحث عن بدائل،
مما قد يقلل في النهاية من فاعلية هذه الإجراءات.
انعكاسات القرار على الاقتصاد المصري
أولا: التأثير المباشر: وفقًا للأرقام المتاحة، فإن الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة تمثل نحو
10% من إجمالي الصادرات المصرية، لكن إذا استثنينا السلع التي تدخل ضمن اتفاقية “الكويز”، فإن
النسبة تنخفض إلى 5% فقط. وهذا يعني أن التأثير المباشر، وإن كان مؤثرًا على قطاعات بعينها، لن
يكون مدمرًا للاقتصاد ككل.
ثانيا: التأثير غير المباشر: هنا تكمن المعادلة الأكثر تعقيدًا. فرض تعرفات جمركية على الصادرات
المصرية، قد يؤدي إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد، حيث ستواجه بعض الدول – التي تستورد من مصر
مدخلات إنتاج لصناعاتها الموجهة للسوق الأمريكي – زيادة في التكلفة، مما قد يدفعها إلى البحث عن
بدائل أخرى، وهو ما قد يؤثر على الطلب على المنتجات المصرية.

ثالثا: قطاع الملابس والمنسوجات: يمثل هذا القطاع نحو 51%.. من حجم التبادل التجاري بين مصر
وأمريكا، مما يجعله الأكثر تأثرًا بالرسوم الجديدة. فأي زيادة في تكلفة التصدير، ستؤثر سلبًا على تنافسية
المنتجات المصرية في الأسواق الخارجية، ما لم يتم اتخاذ إجراءات وقائية.
السيناريوهات المستقبلية والخيارات المتاحة
أولا: تنويع الأسواق البديلة: إذا كانت السوق الأمريكية تضع قيودًا، فمن الضروري البحث عن أسواق
أخرى.. لتعويض الفاقد. وهنا تبرز أهمية تعميق التعاون مع التكتلات الاقتصادية الكبرى؛ مثل الاتحاد
الأوروبي، والصين، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا.
ثانيا: إعادة التفاوض حول الاتفاقيات التجارية: يمكن لمصر أن تسعى إلى تحسين شروط الاتفاقيات
التجارية القائمة، خاصة اتفاقية “الكويز”؛ بحيث يتم توسيع نطاق المنتجات المستفيدة من الإعفاءات
الجمركية أو تخفيف الشروط المفروضة.
ثالثا: رفع القيمة المضافة للصناعة المحلية: إذا كانت التعريفات الجمركية تستهدف المنتجات ذات القيمة
المضافة المنخفضة، فقد يكون الحل هو الاستثمار في تطوير المنتجات المصنعة محليًا، وزيادة الاعتماد
على المواد الخام المحلية، لتقليل تأثير التغيرات في سلاسل التوريد العالمية.
رابعا: تحفيز الاستثمار في القطاعات المتضررة: يجب علي صناع القرار اتخاذ خطوات أكثر فاعلية..
لدعم القطاعات التي ستتأثر بهذه التعريفات؛ من خلال تقديم حوافز للمصدرين، مثل تخفيض الضرائب
على الأرباح الناتجة عن الصادرات، أو توفير دعم لوجستي لتقليل تكلفة الشحن، مما يخفف من تأثير
الرسوم الجمركية الأمريكية.
خامسا: تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية: السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد، وهنا يمكن لمصر أن تستفيد من
تحركات دبلوماسية فعالة، لإعادة التفاوض على بعض البنود التجارية مع الولايات المتحدة، أو حتى
الضغط – من خلال القنوات الدولية.. مثل منظمة التجارة العالمية – لإيجاد حلول وسط.
سادسا: تعزيز الإنتاج المحلي بديلاً عن الواردات: إذا كانت هناك قطاعات ستتأثر بارتفاع تكلفة التصدير،
فإن البديل يكمن في تقليل الاعتماد على الواردات، من خلال توجيه الاستثمارات نحو التصنيع المحلي،
بما يحقق نوعًا من التوازن في الميزان التجاري.
ختامًا: بين الاقتصاد والسياسة
إن فرض تعرفات جمركية.. ليس مجرد قرار اقتصادي، بل هو أداة في لعبة سياسية كبرى؛ حيث تتداخل
المصالح الاستراتيجية للدول.. مع مصالح الشركات العملاقة. ومصر – التي طالما كانت لاعبًا محوريًا

في المنطقة – لا يمكنها أن تكتفي برد الفعل، بل عليها أن تبادر بإعادة رسم خريطتها الاقتصادية، لتتحول
من مجرد مُصدر للمواد الخام.. إلى مركز صناعي وتجاري، قادر على المنافسة في الأسواق العالمية..
مع توظيف كل الأدوات المتاحة.. لحماية اقتصادها، وتعزيز مكانتها على الخريطة التجارية الدولية.

  • قيادي في حزب العمال البريطاني.
شارك هذه المقالة