Times of Egypt

التنمية المستدامة وأهوال الليبرالية الجديدة (1-2) 

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص 

(1) 

«التنمية المستدامة: ما حصاد تطبيقها كوكبياً في 10 سنوات» 

قبل الجائحة الفيروسية التي اجتاحت مواطني الكوكب بعام، كُلفت من إحدى الجهات التنموية العربية.. بأن أعد «مدونة عربية للتنمية المستدامة» (صدرت في 2020)؛ وذلك في محاولة لإبداع اجتهاد عربي، يعزز من قدرات الأطراف الفاعلة في العملية التنموية: المواطنون، والمجتمع المدني، والكيانات الاقتصادية، والدولة.. في تحقيق إنجاز نوعي، من أجل واقع أكثر عدلاً وإنصافاً وكرامة وازدهاراً لجميع المواطنين على اختلافهم. قمنا بهذا العمل (أنا وزميلتي الباحثة القديرة نادية رفعت) – بمناسبة مرور خمسة أعوام على انطلاقة الدعوة الكوكبية، إلى تبني دول العالم ما بات يُعرف في الأدبيات بـ«أجندة التنمية المستدامة» – تتكون من 17 هدفاً رئيسياً، وما يقرب من 200 هدف فرعي – والعمل بكد على تنفيذ ما تم التوافق عليه خلال الفترة من 2016 حتى 2030. والسؤال اليوم الذي بات يشغل بال الكثيرين: بعد مرور ثلثي الفترة.. المقررة لتنفيذ تلك الأجندة، ما هو حصاد سياسات وبرامج «التنمية المستدامة» بعد عقد من الزمان؟ 

(2) 

«الطريق إلى التنمية المستدامة» 

استلزم إنجاز المدونة.. رصد المسار التاريخي لتطور مفهوم التنمية – عموماً – على مستوى الدول، والهيئات التنموية، والمؤسسات الدولية، والأطروحات الفكرية. كذلك تحولاته النوعية.. في ضوء التطورات المتلاحقة في سياق النظام الاقتصادي العالمي، ومنظومة العلاقات الدولية وأثرهما – سلباً وإيجاباً – على الممارسات التنموية الميدانية. ومن/ما الذي دفع إلى تبني مفهوم «التنمية المستدامة»، وكيف ومتى؟  

تبين أن الحصاد التنموي الكوكبي – بمقارباته الأيديولوجية المختلفة – لم يحقق الوعود.. المرجوة لمواطني الكوكب؛ إذ انقضت أكثر من أربعة عقود (ما بين ثلاثينيات ومنتصف سبعينيات القرن الماضي)، حتى انتبه العالم إلى أن التنويعات التنموية المختلفة.. يشوبها الكثير من الإشكاليات البنيوية. ومع مطلع السبعينيات من القرن الماضي، «انكمش الاستثمار انكماشاً ملحوظاً.. في الاقتصادات الغربية». فقفد تأكد – قبل نهاية السبعينيات – أن الحصاد التنموي للعالم غير مُرضٍ؛ حيث تراوح بين التراجع في المنظومة الرأسمالية عن (الكينزية).. التي أنقذت الولايات المتحدة الأمريكية مما عُرف (بأزمة الكساد الكبير) عام 1929، لصالح رأسمالية السوق. كذلك شاب دولة الرفاه الأوروبية.. الكثير من الأعطاب؛ سواء في تجلياتها الديمقراطية الاجتماعية (الحالة الاسكندنافية)، أو المحافظة (الكوربوراتية) (الحالة الألمانية والفرنسية)، أو الليبرالية فالنيوليبرالية (الحالة البريطانية). كما لم يحقق النموذج التنموي الاشتراكي ما كان مرجواً منه. وأخيراً فشل النموذج التنموي (الهجين) – الذي مارسته دول العالم الثالث، أو تحالف باندونج أو الجنوب – الذي اتسم في الأغلب برأسمالية الدولة. وعليه تنامت اللا مساواة بدرجة غير مسبوقة على مدى التاريخ الإنساني.. في الشمال الغني، أو بينه وبين الجنوب الفقير.  

ومن ثم خابت كل الآمال المعقودة.. لتأسيس نظام عالمي عادل بين الشمال والجنوب. وبين الفقراء والأغنياء. في هذا الإطار – وفي سنة 1980 – أطلقت الأمم المتحدة وثيقة تاريخية.. تضمنت – لأول مرة – مصطلح: التنمية المستدامة، نبهت فيه إلى الأزمة التنموية الدولية.. متفاوتة الدرجات بين الشمال والجنوب، وتداعياتها الكارثية على الكوكب ومواطنيه؛ المتمثلة في: الفقر، والجوع، والتدهور البيئي والمناخي والصحي.  

تلقف هذا المفهوم المستشار الألماني الشهير (ويلي برانت)، (1913- 1992، تولى المستشارية الألمانية في الفترة من 1969 إلى 1974)، وترأس لجنة دولية عام 1980، لدراسة (التنمية اللامتكافئة بين الشمال والجنوب: طبيعتها وأسبابها)؛ حيث وجَّه صرخة إلى الدول الصناعية الكبرى.. لضرورة (إعادة تشكيل العلاقات التي تربط الشمال بالجنوب). حيث أصبح «التزاماً حاسماً يتوقف عليه مصير الإنسانية.. لأن ما يضاهي الحرب خطراً.. هو احتمال تفشي الفوضى، نتيجة انتشار الجوع، وحلول النكسات الاقتصادية، وإصابة البيئة بالكوارث، وتفشي الإرهاب». 

(3) 

«قصة التنمية المستدامة: في البدء مستقبلنا المشترك» 

نتج عن صرخة «برانت» – التي ضمَّنها دراسته – أن بدأ الاهتمام بالفقر.. كقضية كونية، وربطها بالعديد من القضايا والإشكاليات. كما تم التمييز بين «النمو» و«التنمية». وهي قضية لم يزل البعض يخلط بين طرفيها حتى الآن.  

وكان السؤال المحوري – الذي بلور مفهوم التنمية المستدامة – هو: «كيف نضمن تنمية حقيقية ودائمة وممتدة للمواطنين؟». فتصدى للإجابة عن هذا السؤال.. اللجنة التي عُرفت باسم «لجنة بروندتلاند» (جو هارلم بروندتلاند.. سياسية نرويجية، تقلدت موقع رئيسة وزراء النرويج من 1981 إلى 1996.. على فترات متقطعة، كما أصبحت رئيسة لمنظمة الصحة العالمية من 1998 إلى 2003)، وهي اللجنة التي شكلتها الأمم المتحدة عام 1983، من أجل إعادة النظر في كل ما يتعلق بالشأنين.. التنموي والبيئي.. على كوكب الأرض.  

انطلقت اللجنة – في عملها – من فكرة مفادها.. أن الوقت قد حان للمزاوجة بين الاقتصاد وواقع الناس، وبيئتهم التي انتُهكت.. من قبَل الصراعات الجيوسياسية المختلفة؛ لمعرفة لماذا تعثرت تنمية مواطني الكوكب، وكما قاربت (موارد) مقدرات الكوكب على النضوب. ومن ثم أنجزت اللجنة تقريرها المعروف باسم: «مستقبلنا المشترك» Our Common Future – الذي اشتُهر باسم «تقرير بروندتلاند للتنمية المستدامة» – عام 1987، حيث تضمن فصلاً – ضمن قسمه الأول – بعنوان: «نحو تنمية مستدامة»، نستعرض مضمونه، كما نلقي الضوء على أثر السياسات النيوليبرالية العولمية على تطبيقه ميدانياً، ودورها في إعاقته خلال العقد الماضي.. في مقالنا القادم.. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة