Times of Egypt

الرسائل السورية المطلوبة عربياً 

M.Adam
نبيل فهمي

نبيل فهمي 

في مقال سابق، حذرتُ من خطايا المشهد السوري؛ مشدداً على أهمية التفاف الطوائف السورية تحت راية المواطنة.. رغم الحساسيات والمشاكل والشجون المتراكمة، وداعياً إلى تواصل عربي مع سوريا.. من منطلق الهوية المشتركة، مع تقدير كامل لجدية التساؤلات حول التوجهات السياسية للقيادات السورية الجديدة، وأهمية وجود مصارحة كاملة لمصلحة الجميع. 

شهدت الفترة الأخيرة – بالفعل – تواصلاً كبيراً مع الساحة السورية، من العديد من الأطراف الغربية، من ضمنهم زيارات لوزير خارجية فرنسا وألمانيا إلى دمشق، فضلاً عن تواصل عربي متعدد ومتنوع، بين مسؤولين سوريين ونظرائهم العرب في السعودية والإمارات والعراق والأردن ومصر، وحضور اجتماعات مع مسؤولي دول الجوار، فضلاً عن حضور الرئيس الشرع القمة العربية الاستثنائية بالقاهرة، ولكل تواصلٍ من حيث الشكل والمضمون المعلن دلالاته، ورغم ضرورة معرفة المضمون غير المعلن للاتصالات.. قبل التقييم الدقيق للأوضاع، لعله من الصواب التقدير أنها تعكس تطلعاً عاماً للاطمئنان على سوريا، وعلى التوجهات المستقبلية للبلاد وانعكاس ذلك على الآخرين. 

ويلاحظ أن تصريحات وأحاديث الشرع منذ البداية، عكست اهتماماً كبيراً بمخاطبة العالم الغربي، حيث أكد رغبته في التواصل مع العالم، وأن الأوضاع في سوريا – وتحدياتها الجسيمة – تحظى بأولوية على أي صراعات إقليمية، والمقصود هنا.. أن التصادم مع إسرائيل ليس على أجندته. 

سوريا دولة عربية عريقة، ومتعددة الطوائف الممتدة عبر حدودها، والأحداث والأوضاع فيها.. لها انعكاسات مباشرة – إيجابية وسلبية – على الدول المجاورة لها.. عربية وغير عربية. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، وضع الأكراد في سوريا والحساسيات التركية، ويؤثر ذلك أيضاً على الأمن القومي العربي بمفهومه الإقليمي؛ فإذا انحازت سوريا نحو أطراف غير عربية، يخل ذلك بالتوازن الإقليمي لغير صالح العرب. وبعد سوريا، أول الخاسرين هنا الشعب الفلسطيني.. اللاجئ والباسل تحت الاحتلال الإسرائيلي، ومن بعدهما الأردن ولبنان المجاوران. 

وإذا ظلت سوريا مضطربة متنازعة بين طوائفها، امتد ذلك إلى العديد من دول الجوار – خاصة العراق.. ومنها ومن غيرها إلى الخليج، وإذا تفتت الهوية السورية وانقسمت إلى هويات طائفية، مع بزوغ تشكيل المشرق والخليج – ينتفى المفهوم السياسي للعالم العربي.. بكل تداعيات ذلك من وسط آسيا عبر شمال أفريقيا. 

أردنا أو أبينا، الوضع السوري يجب أن يحسمه السوريون أساساً، بما يتماشى مع تطلعاتهم وتصوراتهم، والمسألة ليست في تفضيل نظام الأسد، أو بديل لهيئة تحرير الشام وأعوانها، وإنما في الاستجابة لمتطلبات الشعب السوري في بناء سوريا.. الأفضل لكل السوريين؛ مع يقين وتقدير أن خطورة وحساسية الموقف، يفرضان علينا عربياً المصارحة الكاملة في مناقشاتنا، وحواراتنا مع السلطات السورية. 

ومع احترامي والتزامي الكامل.. بحق كل دولة بتحديد نظامها وتوجهاتها السياسية – دون تدخل من أحد – طالما لا يمس ذلك الأمن القومي للآخرين، هناك العديد من النقاط التفصيلية، والأسئلة المهمة.. واجبة البحث والتدقيق في هذا السياق، من أجل خلق زخم سياسي عربي سوري مشترك، وعلاقات سوريا الإقليمية، وخاصة العربية، هي الأهم والأخطر عن علاقاتها بدول العالم الغربي أو غيره. 

وتفرض علينا المصارحة الصادقة.. مطالبة النظام السوري بمخاطبة العالم العربي، وتوضيح المواقف من جوانب مختلفة، يمكن إيجازها ووضعها تحت عناوين محددة ومباشرة، ألا وهي: 
هل النظام السوري يؤمن بالدولة الوطنية المستقلة.. عموداً للنظام الإقليمي العربي، أم ينطلق من أن الهوية الطائفية، ومفهوم الأمة تجبُّ اعتبارات السيادة والحدود؟ 
… هذا سؤال جاد ومفصلي للعديد من الدول العربية في المنطقة، خاصة أن أغلب القيادات السياسية السورية الجديدة.. لها رصيد سياسي محدد، ويتجاوز الأراضي السورية. وخطوة أولى ومبدئية في هذه السبيل، قد تكون مخاطبة جامعة الدول العربية، لتأكيد التزامها بميثاقها وقراراتها. 
وهل يلتزم النظام السوري الجديد.. بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانه.. وعلى رأسهم العرب – بصرف النظر عن التركيبة الطائفية – ويراعي عدم المساس بمصالح تلك الدول وإثارة حساسيتها؟  

ومن أسباب هذا السؤال، لقاءات وقرارات تمَّت مع عدد من الشخصيات.. المحكوم عليها جنائياً، فضلاً عن تجنيس الأجانب، وتوليهم مناصب حساسة. 

وهنا قد يكون مفيداً، أن يبادر النظام السوري بتوجيه رسائل إلى الدول المجاورة له وغيرها، يؤكد فيها على عدم التدخل في شؤون الغير، واحترام وحدة أراضيه، مع الاتفاق على ترتيبات حدودية توفر الأمن والأمان. 

وهل لا يزال التوجه السياسي للقيادات الجديدة.. هو الفيصل الحاسم في معالجتهم السياسية، أم جادون وقادرون على لمِّ الشمل سياسياً توافقياً؛ خاصة أن أغلبهم انتسب مسبقاً لتيارات سياسية.. استخدمت العنف، ولها توجهات سياسية محددة؟ 

شهدت سوريا أخيراً صدامات حادة.. مع طوائف وأقليات غير مرتبطة بالقيادات الجديدة، وضحايا تردد أنهم تجاوزوا الألف. وهي أمور يجب أن تنتهي سريعاً، ويتجنب تكرارها. ورغم بوادر التقدم الأولية المتصلة بترتيبات الحوار الوطني، لعله من المفيد إصدار إعلان من القيادات السورية.. بأن عملية إعادة بناء المؤسسات السورية، ووضع دستورها وقوانينها.. ستتم مع التزام كامل بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولعل استكمال آليات ومناقشات المؤتمر الجامع للأطياف السورية، ومن بعده تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة – خلال الربيع – سيوفر فرصاً مواتية للرد، ولو جزئياً.. على هذا السؤال المهم، علماً بأن المطلوب هنا.. ليس مجرد وجود تمثيل شكلي للطوائف المختلفة – في مناصب فنية – وإنما تأمين دورٍ أو صوتٍ سياسي لهم، والأمر الذي يتحقق جزئياً.. بتوليهم مناصب عليا في الوزارات السيادية والأجهزة الأمنية، وكذلك في هيئة مكتب المؤتمر الجامع وأي لجنة تشكل لإعداد الدستور. 

أتفق مع أحمد الشرع.. في أن الأوضاع والتحديات في سوريا متعددة ومتشعبة، وتتطلب عملاً دؤوباً ومعالجة جوهرية.. تحقيقاً لمساراتٍ تجمع السوريين، بدلاً من أن تفرِّق بينهم. كما أقرَّ بغياب الحلول السهلة أو السريعة.. في ضوء طبيعة الخريطة السياسية والاجتماعية السورية، والإرث الثقيل من الممارسات القاسية وغير المشروعة. وإنما أرى أن عليه إعطاء مزيد من الاهتمام لرسالته العربية، واتخاذ بعض الخطوات الأولية والعاجلة، التي تعكس الجدية والتوجه الوسطي الوطني.. داخلياً وإقليمياً. 

وأتذكر لقاء طيباً لي أخيراً مع شخصية عراقية طيبة.. هي سماحة السيد عمار الحكيم، الذي نوه بتحديات الاستقرار، وتباين بعض الأولويات.. حتى فيما بين التجمع الذي أقال الأسد، والذي – من واقع التجربة العراقية – شدَّد على أفضلية استيعاب التوجهات الوطنية المتعددة.. مع مختلف توجهاتها أو أولوياتها، مع استبعاد استخدام العنف كلما أمكن، تجنباً للاستقطاب، ليطمئن الشعب السوري على إعادة بناء سوريا العربية لكل السوريين، ولتطمئن دول الجوار على مصالحها وأمنها. 

نقلا عن «إندبندنت عربية» 

شارك هذه المقالة