Times of Egypt

الصين وترامب والشرق الأوسط

M.Adam
نبيل فهمي

نبيل فهمي 

شاركت، منذ أسبوع، في مؤتمر دولي بالصين.. نظمته جامعة تشانجوا، ومركز الشؤون الخارجية للصين الشعبية. وشارك في بلورته مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية، وحضره أكثر من 15 مسؤولاً دولياً سابقاً.. على مستوى رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية السابقين، بالإضافة إلى مشاركة صينية عالية المستوى، على رأسها نائب رئيس الحزب الشيوعي. وتناول المؤتمر العديد من القضايا الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتكنولوجية بشكل منهجي وجذاب.

كانت تجربة ثرية ومفيدة.. لفهم الصين، والاستماع إلى أصوات الآخرين، وإضفاء صوت وسردية عربية على النقاش.. في بعض الجلسات، وخرجت من المؤتمر بملاحظات عديدة؛ تحتاج لاسترسال وتناول أوسع؛ على رأسها مجموعة من الملاحظات أرى من الأهمية تسجيلها والتنويه بها، دون الدخول في التفاصيل، التي تحتاج لعرض متطور ومعالجة مستقلة.

أولى الملاحظات كانت هي أن دونالد ترامب.. كان الغائب الحاضر في معظم الجلسات والمداخلات، مع تركيز كبير على شخصية ترامب؛ حتى قبل السياسات الأمريكية، رغم أنه لا يمكن الفصل بينهما، حيث إن ثقل ووزن الولايات المتحدة.. هو الرادع والحافز الرئيسي للاهتمام الدولي بترامب، وأعتقد أن الرئيس الأمريكي نجح في فرض شخصيته – وما يرتبط بها من تساؤلات وتقلبات – على الحسابات الدولية؛ وفقاً لمنهجية سبق أن تباهى بها في كتابه عن أسلوبه التفاوضي، وهو – بذلك – أضاف عنصراً شخصياً مهماً في حسابات الدول – بما يتجاوز مواقف المؤسسات الأمريكية.. المفترض أن يكون لها مواقف مستقلة وموضوعية في الكثير من الأحيان، قبل أن يعين الرئيس الأمريكي قيادات لها صفتهم الأساسية الولاء الشخصي الفريد له شخصياً – وكان ملفتاً للغاية الاهتمام – سلباً وإيجاباً – بالـ «الظاهرة الترمبية» Trumpism، رغم أن عدد المشاركين الأمريكيين كان محدوداً للغاية.. وبشكل ملفت للنظر.

والملاحظة الثانية البارزة في المؤتمر، كانت تنامي الثقة الصينية.. في التعامل مع ترامب والولايات المتحدة والعالم. ومن ذلك رصدهم أن المواقف الأمريكية تجاه الصين خلال ولاية ترامب الأولى وأثناء تولي بايدن الرئاسة.. كان لها توجه سلبي من الحزبين، حيث اعتبرت الصين أهم تحدٍّ استراتيجي للمصالح الأمريكية، وخطرٌ على أمنها القومي.. وهي مجالات يصعب التوصل إلى حلول وسط بشأنها. أما في الولاية الجديدة لترامب، فالاهتمام الرئيسي يقع على الجانب التجاري والاقتصادي.. الذي يوفر فرصاً أوسع للتفاهم. وأكد المسؤولون الصينيون أنهم استعدوا لهذه المعادلة جيداً، لذا لن يتضرروا كثيراً من حرب الجمارك والضرائب.

واستطرد المسؤولون الصينيون أن ممارسات إدارة ترامب الثانية.. بدأت بالعراك السياسي والتهديدات التجارية وفرض الجمارك، ثم انتقلت إلى مرحلة الحوار حول الموضوعات الاقتصادية والتجارية.. في اجتماعات المسؤولين الأمريكيين والصينيين في جنيف ولندن، ويتم الآن التمهيد للقاء قمة – يتحمس ترامب لانعقاده – في بكين، استجابةً لدعوة الرئيس الصيني شي جين بينج.

وهناك شعور صيني عام.. بأن المحادثات الاقتصادية صعبة، إنما تتطور بإيجابية. ويلفتون النظر إلى أن المختصين بقضايا الأمن القومي في البلدين.. لم يجتمعوا خلال الولاية الجديدة؛ مما يترك فجوة كبيرة في العلاقات، ويطالبون ترامب – في زيارته المرتقبة – بتأكيد تأييده لسياسة الصين الواحدة، والقبول باستكمال وحدة الأراضي الصينية بالطرق السلمية، والإعلان عن اعتبار الصين.. أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة؛ وهي طلبات طموحة، تعكس الثقة الصينية بالنسبة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة. وتحقيقاً لذلك، من الاقتراحات الصينية المطروحة أيضاً.. تنشيط الاتصالات بين مؤسسات الأمن القومي في البلدين، بالإضافة للتوسع في الاتصالات والعلاقات الثقافية.. بين مراكز البحث والمنظمات غير الحكومية والجامعات والطلبة.

أما الملاحظة المهمة الثالثة – التي تستوجب اهتماماً خاصاً من العالم العربي – فكانت أن عامة الحضور من الصينيين.. المؤيدين رسمياً للسلام العربي-الإسرائيلي، لم يكونوا على دراية كافية بعمق الخلاف الفلسطيني-الإسرائيلي، وخطورة التوجهات الإسرائيلية عامةً – وخصوصاً من الحكومة الإسرائيلية الحالية – رغم موقف الصين المؤيد للسلام العربي الإسرائيلي الشامل؛ بما يعني إنهاء الاحتلال، والسماح للفلسطينيين بتقرير مصيرهم في دولة مستقلة.

واستلفت نظري، تكرار إشارة بعض الأكاديميين الصينيين إلى تجارب مجموعة الآسيان، وحوارات دول تلك المجموعة.. لحل المنازعات بالطرق السلمية والحوار. وهذا جعلني أوضح – بجلاء وصراحة تامة – أن العالم العربي قدم مبادرات سلام عديدةً عبر السنين، أغلبها من مصر والسعودية، في حين لم تقدم إسرائيل مبادرة واحدة، بل لم تتجاوب مع المبادرات العربية.. بعد أول اتفاق سلام، أو مع قرارات القمة العربية لعام 2002 في بيروت.

وأشرت إلى أن العالم العربي تعامل بإيجابية.. في مناقشات عديدة حول الأمن الإقليمي، منذ المفاوضات متعددة الأطراف (المنبثقة عن مؤتمر مدريد للسلام في أوائل التسعينيات من القرن الماضي)، وإنني – شخصياً – ساهمت عبر السنين.. بكتابات واقتراحات عديدة.. حول مفاهيم ومتطلبات إنشاء منظمة أمن إقليمي في الشرق الأوسط. وعليه، فهناك خبرات وأفكار عربية متعددة ومتنوعة حول هذا الموضوع.

وأوضحت أيضاً – وبصراحة شديدة – أن من يدعو إلى تطبيق تجربة مجموعة الآسيان – في الشرق الأوسط وبين الإسرائيليين والفلسطينيين – واهمٌ، وغير مقدر لجسامة الموقف الإسرائيلي؛ لأن دول الآسيان تقر بضرورة وأهمية التعايش معاً، في حين أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية.. رافضة للهوية الفلسطينية كاملةً. وأوضح مسؤولوها بجلاء.. أن الخيارات الفلسطينية محدودة؛ بين الهجرة، ومواجهة إعصار مثلما شهدنا في غزة، أو الاستمرار تحت السيادة الإسرائيلية.. كمواطنين دون حقوق سياسية. 

وهي مواقف تعني أن التنازع الإسرائيلي-الفلسطيني وجودي، ومحصلته صفرية؛ تجعل أي نقاش حول منظومة أمن إقليمي.. غير مجدية، وبالغة الخطورة.

ومن المؤشرات المتكررة لتأكيد ذلك؛ مطالبة بعضهم بضم الضفة الغربية لنهر الأردن، وما يتردد عن بلورة خطط بفرض سيادة إسرائيلية حول أغلب الضفة والقطاع، وبلورة منظومة أمنية شرق أوسطية – من المنظور الإسرائيلي – ستكون على حساب مصلحة الفلسطينيين والأمن القومي العربي، الأمر الذي يستدعي وقفةً عربيةً قويةً ورفضاً واضحاً وقاطعاً.

نقلاً عن «إندبندنت عربية«

شارك هذه المقالة