الدكتور مخلص المبارك*
أثارت قضية نشر الرسوم المسيئة في فرنسا إشكالية كبيرة، تتعلق في عدم وجود رادع قانوني.. سواء في القانون الفرنسي أو القانون الدولي، يمنع الإساءة للأديان وازدراء رموزها. وقد ساهم موقف الحكومة الفرنسية المتعنت، ووقوف العالم كشاهد سلبي.. على الاساءات المتكررة للإسلام ورموزه، وسماحه باستخدام حرية الرأي والتعبير.. لتكريس تلك الإساءة؛بإشاعة أجواء العنف والكراهية العنصرية.
وعلى الرغم من اتفاق معظم الأنظمة القانونية – في مختلف الدول – على أن كل سلوك غير مشروع من قبل الافراد، أو الجهات المعنوية، ينتج عنه انتهاك وإساءة للأديان.. يعتبر انتهاكاً غير مشروع، يوجب على الدولة -طبقاً لالتزاماتها تجاه قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان -أن تقومباتخاذ كافة التدابير والاجراءات.. التي تحد من انتهاك الحريات الدينية والإساءة للأديان ورموزها. إلا أن النظام القانوني اللاتيني في فرنسا، لا يحتوي على قواعد واضحة ومباشرة..تجرم ذلك. وفي نفس الوقت، تمثل حرية الرأي والتعبير.. الحجة والمبرر التي تتذرع بها الدول الأوروبية، لتبرير تقاعسها عن توفير الحماية ومنع الاساءة والتعرض للرموز الدينية،وذلك على الرغم من وجود عدد من الاتفاقيات والآليات الأوروبية لحقوق الإنسان، تؤكد على حماية الحرية الدينية. إلا أن نصوص تلك الاتفاقيات.. لم تأتِ ملزمة كما هو حال اتفاقية حماية الأقليات القومية لعام 1995، التي جاءت قاصرة وغير منسجمة مع القانون الدولي لحقوق الانسان،بسبب عدم إلزامها الدول الأطراف بتطبيق أحكامها..إلا ضمن إمكانياتها وتبعاً لظروفها.
وبنفس الوقت،كثيراً ما تلجأ المحاكم الأوروبية – عند إصدارها لقراراتها في قضايا الإساءة للأديان – إلى لي عنق النصوص القانونية، والالتفاف على قواعد حقوق الانسان، وتقديم تفسيرات.. تجعل تقديس حرية الرأي والتعبير، مُقدَّمة على حماية الحرية الدينية، ومنع الإساءة للرموز الدينية.
وبالنسبة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، نجد لديها قصوراً في إيجاد التعريف القانوني المحكم.. لازدراء الأديان؛ معللةً ذلك بأن فعل الإساءة للدين، هو فعل متغير زمانياً ومكانياً.. في ظل التغيرات والتطورات البشرية، وتبني أنواع جديدة من الأديان بصورة مستمرة، وبالتالي فإنها تستخدم مصطلح (الإساءة غير المبررة للأديان)؛ بهدف تسخيف الجرم، والتهرب من مسؤوليتها في إحقاق الحق وإرساء العدل.
وقد اهتم القانون الدولي لحقوق الإنسان.. بحماية الحرية الدينية، من خلال الكثير من النصوص والقواعد، التي تؤكد حق الافراد بممارسة الشعائر الدينية، والتعبير عن أفكارهم.. عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم، ولكنها – بنفس الوقت – تغاضت عن الإشارة إلى موضوع ازدراء الأديان ورموزها المقدسة، وهذا يمثل اعترافاً ضمنياً.. بأولوية حماية حرية الرأي والتعبير، وسموها على الحق باحترام الأديان وعدم ازدراء رموزها. وهذه الإشكالية مازالت منطلقاً لحدوث التجاوزات والانتهاكات بحق الرموز الدينية.
ومن المؤسف أن يحاول فقهاء القانون الدولي العرب والحقوقيون – على الدوام في ادبياتهم – الاسهاب في تفسير نصوص القانون الدولي لحقوق الانسان، وتكييفها وتجييرها.. للتدليل على أن تلك النصوص قد جرمت، أو أدانت.. فعل الإساءة للأديان وازدراء رموزها، من خلال تكييف فعل الاساءة بأنه يدخل في إطار فعل التمييز العنصري، وهذا في حقيقة الأمر غير صحيح، ويجافي الحقيقة ويساهم في إخفاء قصور تلك الصكوك الدولية.. عن معالجة أفعال الازدراء والإساءة للإسلام، وهو ما يتطلب منا جميعاً تكثيف الجهود القانونية والحقوقية – وحتى السياسية – بهدف إيجاد نصوص أكثر وضوحاً، وأكثر دلالةً، لتجريم الإساءة وازدراء الأديان، والضغط على حكومات الدول العربية الإسلامية.. لتعزيز جهودها في المنظمات والهيئات الدولية، لإصدار مثل تلك القوانين. فكما أصبح إنكار الهولوكوست، ومعاداة السامية.. جرماً، يحق للمسلمين – وغيرهم من أصحاب الديانات – أن يُجرم المساس بدياناتهم ورموزها.
- أستاذ جامعي ومستشار قانوني.