عبدالله عبدالسلام
لم تكد تمر ساعات.. على إعلان ترامب خطته بشأن ترحيل الفلسطينيين، والسيطرة على غزة، وتحويلها إلى منتجع سياحي، حتى خرجت أصوات غربية وعربية.. تقلل من خطورة الأمر، وتدعو إلى عدم المبالغة في رد الفعل. البعض تساءل: هل ترامب جاد؟ أم أنه يطبق استراتيجية ذكية لإفقاد الخصم توازنه، وإضعاف موقفه في البداية.. حتى يمكن التوصل بعد ذلك إلى صفقة؟ هناك مَن جزم بأن الخطة خيالية، متسائلاً: كيف يمكن ترحيل 1.8 مليون فلسطيني.. بالقوة رغماً عنهم؟، وهل يُعقل أن ترسل أمريكا قوات عسكرية، في وقت تنسحب فيه من المنطقة؟.
للأسف، هذه الأصوات «العاقلة».. تستهدف إضعاف رد الفعل العربي الضعيف أصلاً، وتصوير المسألة على أنها «شطحة»، أو نوبة جنون ترامبية.. سرعان ما سيبرأ منها. غالبية المؤشرات تكشف أن الخطة جرى الإعداد لها منذ فترة، وأن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط.. ستيف ويتكوف – وهو ملياردير ومطور عقاري من نوعية ترامب – كان من بين مهامه.. تطوير الخطة وقت التفاوض، للتوصل إلى صفقة وقف القتال بين حماس وإسرائيل. جاريد كوشنر – صهر ترامب – تحدّث كثيراً عن تحويل القطاع إلى مشروع عقاري واستثماري واعد. اليمين الديني والسياسي الإسرائيلي، والمسيحيون الصهاينة الأمريكيون.. يضغطون – منذ عقود – لتفريغ غزة من قاطنيها، وزرعها بالمستوطنات. الجديد فقط، أن جشع ترامب أضاف إلى القضية البعد المادي. من تحت أنقاض غزة، رأى الدولارات تتدفق. سعى، كما يقول، لتخفيف معاناة الفلسطينيين.. بإبعادهم عن الركام و«الجحيم»، مع تحقيق أقصى استفادة مالية. وفي نفس الوقت، تلبية مطالب قاعدته اليمينية المحافظة.. المرتبطة بصلات عميقة مع متطرفي إسرائيل.
المعوقات «اللوجستية» أمام التنفيذ.. يسهل تجاوزها. بدلاً من إرسال الجيش الأمريكي إلى غزة، يمكن تكليف شركات أمنية – على غرار «بلاك ووتر» سيئة السمعة إبان احتلال العراق – بالمهمة. أمريكا لن تدفع دولاراً واحداً.. لإعادة البناء، وستتكفل دول عربية بذلك، على أن تكون الطليعة شركات ترامب بقيادة كوشنر. ثم إن الخطة تلبي رغبات اليمين الإسرائيلي.. الذي يدعمه ترامب بقوة. رغم أن نتنياهو بدا – خلال مؤتمره الصحفي مع ترامب – وكأنه لا يعلم شيئاً، فإن الاقتراح جدَّد الدم في شرايينه السياسية. سافر إلى واشنطن.. وهو خائف على ائتلافه الحاكم، نتيجة الخلاف حول وقف القتال. خطة ترامب جعلت المتطرف بن غفير يدرس العودة إلى الحكومة، وأقنعت المتطرف الآخر سموتريتش بالبقاء وزيراً. الأخطر، أنها أعطت إسرائيل الضوء الأخضر.. لضم الضفة الغربية رسمياً.
نحن أمام سيناريو شيطاني: غزة ستصبح محمية أمريكية، والضفة أو أجزاء كبيرة منها.. سيتم ضمها إلى إسرائيل. ما الحاجة إذاً إلى السلطة الفلسطينية؛ سواء كما هي الآن، أو حتى لو أصلحت من نفسها.. كما يطالبها الغرب؟
في ظل هذه التحركات، يبقى التعويل على أبناء غزة أنفسهم. هُم مَن يستطيعون تحويل أفكار ترامب إلى سراب. الخطة لا تستهدف القطاع فقط. إنها قنبلة موقوتة ستنفجر في وجوه العرب جميعاً، إذا تُركت غزة وحيدة تواجه مصيرها.
نقلاً عن «المصري اليوم»