أمينة خيري
لسنا وحدنا الغارقين في بحور التحليل والتوقعات. العالم في حالة تخمة. يتابع، ويراقب، ويرصد، ويحلل، ويتوقع، وكل لا يحلل فقط ..على ليلاه، ولكن بحسب ما يتعرَّض له من معلومات وأخبار وصور وفيديوهات؛ منها الصالح من حيث الحقيقة والواقع، ومنها الطالح المفبرك.
محاولة إلصاق تهمة السيولة الشديدة والضبابية شبه الكاملة – ونحن نتابع الحلقة الأحدث في سلسلة تشكيل الشرق الأوسط الجديد، ألا وهي المواجهة.. أو الحرب بين إيران وإسرائيل – للذكاء الاصطناعي وحده، وقدراته الفذة على التخليق والتزييف، هي محاولة ظالمة. فلولا استعدادنا لنصدق ما نريد أن نصدقه – دون تحكيم المنطق وإعمال العقل، ودون أدنى استعداد لاستثمار بضع دقائق لأغراض التحقق قبل أن ننجرف وننفجر – لما كان للذكاء الاصطناعي؛ وتحديداً استخدامه لأغراض تخليق واقع غير موجود.. (إذ إن للذكاء الاصطناعي العديد من الفوائد والمميزات)، وغيره من تقنيات التزييف العميق، هذه القدرة الفائقة على إغراقنا في بحور فيها الكثير من الوهم والخيال.
الحرب أو المواجهة المميتة الخطيرة المدمرة الدائرة حاليا.. بين إسرائيل وإيران، فيها كل العوامل التي تسيل لعاب أي راغب أو محب أو هاوٍ للتحليل. من جهة أخرى، ما يدور على مرمى أحجار قليلة منا يجب متابعته وقراءته وتحليله، إن لم يكن بغرض فهم ما يجري في محيطنا، فلمعرفة أن ما يجرى الآن يقترب منا، وإن لم يكن هذا أو ذاك، فلأن ما يجرى سيؤثر على حياتنا اليومية، اقتصادياً وسياسياً ونفسياً وأمنياً وعسكرياً.
ولا ينافس الأحداث المشتعلة الملتهبة المميتة في كل من إيران وإسرائيل، التي نحَّت مأساة غزة جانباً (لحين إشعار آخر).. سوى هذا الهبد الرهيب، الدائرة رحاه على أثير منصات السوشيال ميديا.
لا أناقش أو أشكك أو أعترض على حق – بل واجب – كل منا في التعبير عن رأيه ورؤيته وتوقعه على صفحاته وحساباته. أناقش وأشكك وأعترض على بناء هذه الآراء والرؤى والتوقعات، إما على آراء آخرين مجهَّلة معاد تدويرها دون معرفة بالأسباب التي جعلت فلاناً يؤمن بكذا أو يكتب كذا، أو حتى دون معرفة مسبقة بهذا الفلان أصلاً، أو بناءً على أخبار وصور وفيديوهات لم تحدث في الواقع، أو مجتزأة، أو كليهما.
التعبير عن الرأي مسؤولية. هذه المسؤولية ليست كلاماً على ورق، أو دقاً على «كي بورد». المسؤولية تأتي معها واجبات، والواجبات في هذا السياق تستدعي قليلاً من التدقيق، وبعضاً من البحث، وكثيراً من التفكير النقدي المخاصم لتحريم التفكير وتكفير المنطق.
حتى لو جاءك أبوك أو أمك أو شيخك أو قدوتك أو أيقونتك أو «مؤثرك» المفضَّل على السوشيال ميديا.. بخبر أو معلومة أو تحليل أو رؤية أو توقع، «أبوس إيدك»، تحقَّق منها، وتفكَّر فيها، وتعقَّل قبل دق الشير واللايك، وذلك بعد إذن «الترند».
ما نحن فيه لا يحتمل التضحية بأمننا وسلامتنا في سبيل ترند زائل مهما كان مربحاً.
نقلاً عن «المصري اليوم»