Times of Egypt

بين الأسد الصاعد والوعد الصادق!

M.Adam
حمدي رزق


حمدي رزق

الحرب مجردة من ملابسها – كحقيقة عارية (في المعجم) – قتال بين دولتين أو دول، بين فئتين، نزاع مسلح.

في أتون الحرب (الإيرانية-الإسرائيلية)، التي أعلن الرئيس ترامب وقفها أمس، ارتدت الحرب ملابس دينية، مسوح الدجال، لتخفي سوءتها، وتتخفى، تتشح بأسماء وصفات دينية لإضفاء قداسة (مستنكرة) وبركات وتبريكات على سفك الدماء وقتل الأبرياء، وقصف المدنيين، وتدمير الحضارة الإنسانية.

الأديان بريئة مما يأفكون، وتديين خطاب الحرب والعدوان لا يخيل على الضمائر الحية التي تأنف الحرب وتبغض العدوان.

المراجع الدينية حول العالم تدين الحرب، وتستنكر تديينها، الأديان تدعو إلى السلام، وتحض على السلام، وتصلي من أجل السلام، «طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون» (متى5: 9).

الحرب الإيرانية الإسرائيلية اتشحت بخطاب ديني فاقع، وتسمَّت بأسماء دينية منكورة، لتسويغ العدوان وتبليعه للعامة، الناس على وجوهها هائمون، حائرون يتساءلون في جنون، ما كل هذا الجنون.. «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد» (البقرة: 205).

معلوم الأسماء الدينية المخاتلة المطلوقة في غمار الحرب، ظلال للدين والطائفة والهوية، ليست بريئة أو عفوية أو من دون دلالة، مشحونة بالبغضاء، في تزاوج قبيح بين السياسي (الحربي) والديني.. راجع خطابات الحرب مزودة بمسيرات دينية مفخخة!

استحضار المدلول الديني مخبوء في مسيرات، ومحمول تحت جناح طائرات، ومحشو في رؤوس صواريخ فرط صوتية، لن يغير من حقيقة الحرب، لن يسوغ أبداً العدوان، لن يحرف البوصلة الإنسانية عن إدراك مآسي الحرب ومخلفاتها من دماء وأشلاء وهدم وتشريد في العراء.

أسماء تختبئ في معارك، رسائل مشفرة في حروب، وثأريات ماضوية تستحضرها ذاكرة مشيخية شريرة في استخدام سياسي قبيح لما هو سام، الدين يسمو فوق الإحن والمحن والثارات، برداً وسلاماً.

اسم العملية العدوانية الإسرائيلية على إيران، أطلقته عليها المراجع الدينية في أقبية الحاخامات اسم «الأسد الصاعد».. إحياء لرمز الأسد والشمس، الذي كان شعار إيران وعلمها حتى الثورة الخومينية عام 1979م، والاسم مستمد من الكتاب المقدس، سفر العدد (23:24): «هُوَذَا شَعْبٌ يَقُومُ كَلبْوَةٍ وَيَرْتَفِعُ كَأَسَدٍ«.

الرد الإيراني من نفس المعين الديني، يعزف على الوتر الديني؛ المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية «علي خامنئي» شبَّه عملية «الوعد الصادق» بأنها مثل «عصا موسى»، حيث اعتبر (في أبيات للشعر من نظمه بالفارسية) ما ترجمته.. أن الصواريخ والطائرات من دون طيار التي أطلقتها إيران ضد إسرائيل أشبه بالعصا التي ألقاها موسى أمام سحرة فرعون فابتلعت (لقفت) ما سبق أن ألقوة من حبال وعصي.

حتى الولايات المتحدة الأمريكية، لم تجد حرجاً أن تطلق على طائرتها اسم ووصف (طائرة يوم القيامة)، وهو مصطلح يطلق على فئة من الطائرات التي صُنعت لتكون مركز قيادة وطنياً محمولاً جواً.. يستخدم عند نشوب حرب نووية أو كارثة أو نزاع آخر واسع النطاق يهدد البنى التحتية العسكرية والمدنية الرئيسة، وردت إيران بصواريخ «خيبر»، خيبر اسم ذو دلالة دينية من موروثات ماضوية، والصاروخ خيبر، صاروخ تدميري معروف باسم «خرمشهر»، صاروخ باليستي دقيق التوجيه يعمل بالوقود السائل، ويُعد الجيل الرابع من سلسلة صواريخ خرمشهر الإيرانية.

طُوِّر هذا الصاروخ من قبَل منظمة «الجو-فضاء» التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، ويتميز بعدم حاجته إلى التوجيه في المرحلة النهائية من مساره.. عارف طريقه لإحداث دمار واسع.

أمراء الحرب وقادتها كعادتهم – التي جبلوا عليها من سنوات الحروب الصليبية – يحرفون الكلم الطيب عن مواضعه؛ الاستخدام الديني للآيات والأسفار، والأناجيل، والمزامير، في أتون الحرب المسعورة.. يراكم شعوراً بالحرب الدينية، الحرب الدينية أو الحرب المقدسة، حرب مسببة أو مبررة من أساسها بسبب الاختلافات الدينية. كثرت النقاشات في أتون الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، وقبلها غزو جيش الاحتلال لغزة، حول مدى غلبة الجوانب الدينية في أي صراع ضمن حرب معينة. وفقاً لموسوعة الحروب، من بين جميع الصراعات التاريخية المسجلة البالغ عددها 1763 صراعاً، كانت الاختلافات الدينية مسببة بشكل رئيسي فقط في 123 منها، بنسبة 6.98% فقط.

والكاتب الأمريكي «ماثيو وايت» في كتابه «الكتاب الكبير العظيم للأشياء المروعة» يلفت النظر إلى الدين.. باعتباره سبباً رئيسياً في 11 من أكثر الأعمال الوحشية الدموية حول العالم.

يرصد «ماثيو وايت» توافر العناصر الدينية بشكل علني في العديد من النزاعات، بما في ذلك الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والحرب الأهلية السورية، والحروب في أفغانستان والعراق.

الحروب الدينية، توصف في الغرب بشكل مختلف، باعتبارها صراعات أصولية أو تطرفاً دينياً، اعتماداً على تعاطف الواصف، ومع ذلك، غالباً ما تخلص الدراسات حول هذه الحالات إلى أن العداوات الدينية تسبب الكثير من النزاعات البشرية.

نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة