عبدالله عبدالسلام
في العصور الوسطى، عندما كان الملوك والأباطرة ينتصرون على أعدائهم، كانت الاحتفالات الأسطورية تُقام لهم، حيث يتبارى السياسيون والخطباء والشعراء.. في إلقاء خطابات وقصائد المدح والتملق، وتصوير المنتصر على أنه «سوبر بشر».
في قمة حلف شمال الأطلنطي – التي انعقدت في لاهاي بهولندا – استقبل قادة دول الحلف ترامب استقبال الأبطال. لقد حقق للتو نصراً لم يحدث – كما ادعى – منذ الحرب العالمية الثانية. لم تشهد القمة نقاشاً أو تبايناً في المواقف – كما هي عادة قمم الأطلنطي – بل كانت حفلة موسيقية.. شهدت عزف ألحان الإشادة والتملق، وإضفاء صفات العبقرية على ترامب.
مارك روتا – أمين عام الحلف – قاد الحفلة، وبذل كل ما يستطيع.. لإشباع شهية ترامب للإطراء. وافقت الدول الأعضاء – باستثناء إسبانيا – على زيادة إنفاقها العسكري إلى 5٪ خلال 10 سنوات. «روتا» نسب الانتصار إلى الرئيس الأمريكي.. قائلاً له: «حققتَ ما لم يحققه رئيس أمريكي آخر». تم اختصار القمة إلى يوم واحد؛ حتى لا تتم مناقشة بنود أخرى غير زيادة الإنفاق، ويظهر اختلاف يؤثر على «نفسية» ترامب. جرى تهميش قضية الحرب في أوكرانيا، وكأنها غير موجودة. توصل معظم قادة دول الحلف إلى أنه من الصعب إجراء محادثات موضوعية صريحة مع ترامب.. لأنه غير مهيأ لذلك، وسيحول الخلاف إلى معركة شخصية.
كان الحل استرضاءه. جرعات مكثفة من النفاق.. حول عظمته وقدراته الاستثنائية، التي لم يحظ بها زعيم من قبل. وفي هذا الإطار شبَّه روتا ترامب بأنه مثل أب (دادي).. يوبخ أطفاله عندما يحيدون عن الطريق. يكمن الحل أيضاً في التحايل عليه. وافق الزعماء على زيادة الإنفاق إلى 5٪ من ميزانية كل دولة، لكنهم يدركون صعوبة تحقيق ذلك. أمامهم 10 سنوات للتنفيذ.. يمكن أن تتغير فيها أمور كثيرة. سيكون ترامب خارج البيت الأبيض، وقد لا يلتزم الرئيس الأمريكي المقبل بضرورة التنفيذ. المهم الآن نزع فتيل ترامب.
يعتقد زعماء الأطلنطي – من داخلهم – أن التهديد الأكبر للحلف – كما قال الصحفي الأمريكي ستيفن كولونسون – ليس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. بل ترامب، ولأنهم يحتاجون أمريكا لمواجهة خطر بوتين عليهم.. «طأطأة الرأس»، حتى تمر العاصفة «الترامبية». هم يخشون من أن معارضة زيادة الإنفاق – كما يريد – معناها انسحابه من الحلف.. لذا توصلوا إلى أن شيئاً من النفاق والتملق لا يضُر. المشكلة أن بعضهم ذهب بعيداً في نفاقه إلى درجة الإذلال.
هل أصبح هذا الأسلوب في التعامل مع ترامب.. هو المُعتمد رسميا في الساحة السياسية العالمية؟ خلال العدوان الإسرائيلي على إيران، ثم العدوان الأمريكي.. الذي استهدف برنامجها النووي، تصرَّف ترامب كما لو كان الآمر الناهي فى شؤون العالم. يوجه الإنذارات، ومن لا يستجب ينَل العقاب فوراً. يحدد للجميع – وليس الخصوم فقط – كيف يتعاملون، ولا يسمح لهم بأي تجاوز للقواعد التي وضعها. عندما فرض الرسوم الجمركية على غالبية دول العالم، قلة من الحكومات انتقدت قراره. بمرور الوقت، هذه القلة تصمت، ولا ترفع صوتها. ترامب يؤكد سيطرته، والآخرون ينصاعون.
مرحباً بكم في عالم «الملك ترامب».
نقلاً عن «المصري اليوم«