Times of Egypt

ترامب وانقلاباته.. كل هذه الفوضى! 

M.Adam
عبدالله السناوي 

عبدالله السناوي 

إنها الفوضى الضاربة في بنية القرار السياسي.. لأقوى دولة في العالم. 
كأي دولة متخلفة، تصدر القرارات المصيرية.. بعشوائية كاملة، دون فحص مسبق لتداعياتها المحتملة. كانت قرارات الرسوم الجمركية.. انقلاباً متكامل الأركان، على قواعد وأسس التجارة العالمية. 
على مدى أسبوع كامل، أكد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» – بمناسبة، أو دون مناسبة – أنه ماضٍ في الحرب التجارية العالمية، التي أعلنها.. منتشياً من حديقة البيت الأبيض، تحت عنوان «يوم التحرير». 

أربكت قراراته العالم بأسره، وتجاوزت المخاوف ما هو مالي واقتصادي.. إلى ما هو سياسي واستراتيجي. 
بدا الشرق الأوسط – بأزماته المتفاقمة – في قلب الإعصار الاقتصادي.. منعكسة عليها التفاعلات والمخاوف. 
استنفد.. بأسرع من أي توقع، طاقته على العناد. لم يكن بوسعه تحمل الألم السياسي.. لأكثر من أسبوع؛ على ما قالت محطة الـ«سي. إن. إن» الإخبارية. أوشك الاقتصاد الأمريكي أن تعصف به الكوارث.. بتسارع وتيرة البيع في سوق سندات الخزانة. 

اضطر – مجبراً – على التراجع عما أصدره من قرارات.. شبه إلهية؛ بفرض رسوم جمركية غير مسبوقة.. على الأصدقاء والخصوم معاً!  

أعلن تعليق قراراته الفوضوية لمدة (90) يوماً، باستثناء الصين – القوة الاقتصادية الثانية – رافعاً الرسوم الجمركية عليها إلى (145%). 
الصين ردت بفرض (84%) رسوماً جمركية على البضائع الأمريكية. 
في التفاته إلى شعار «ترامب».. «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، فإن قبعته التي كتب عليها ذلك الشعار، صُنعت في الصين!  

يصعب أن تكسب الولايات المتحدة حربها التجارية مع الصين.. بعيداً عن حلفائها التقليديين في أوروبا وآسيا، الذين خسرت ثقتهم.. في أزمة الرسوم الجمركية. بصورة أو أخرى سوف تجرى مفاوضات أمريكية صينية.. للوصول إلى صفقة ما، لكن واشنطن سوف تخوضها من موقف ضعف. 
التراجع الترامبي.. بدا انقلاباً مضاداً وإجبارياً، على انقلاب ما أسماه.. «يوم التحرير». 
في المسافة بين الانقلابين، استجدت متغيرات على خطابه السياسي؛ مال بعد الانقلاب الأول إلى التهدئة.. في ملفي غزة وإيران، دون أن يتراجع عن أهدافه الرئيسية. ما الذي يمكن أن يستجد بعد انقلابه المضاد؟ 
في الأول، أعلن بدء مفاوضات مباشرة مع إيران.. من داخل البيت الأبيض في حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»؛ الذي بدا مصدوماً تماماً. وفي الانقلاب المضاد، حاول أن يزاوج بين الترهيب والترغيب – العصا والجزرة – لتليين التشدد الإيراني، وتحقيق أهدافه.. بلغة الصفقات، دون حاجة إلى حرب تؤذي المصالح المالية الأمريكية في منطقة الخليج، أو مشروعه لضخ تريليونات الدولارات في شرايين الاستثمارات داخل الولايات المتحدة. 
اختار مبعوثه الخاص «ستيف ويتكوف».. لرئاسة الوفد التفاوضي الأمريكي، لا وزير الخارجية، أو مستشار الأمن القومي. بالمفارقة، اختار الإيرانيون وزير الخارجية «عباس عراقجي».. لرئاسة وفدهم التفاوضي. «ويتكوف» لا صلة له بالملف النووي كله. فيما «عراقجي».. على علم كامل وقديم بأدق تفاصيله. 

بدت القوة العظمى الأولى كأي دولة من العالم الثالث؛ المؤسسات مغيبة والرئاسات مقدسة. بمفارقة لافتة، اعتبر البيت الأبيض تراجع «ترامب» في أزمة الرسوم الجمركية: «عبقرية قيادية»! 
بدا التصعيد الخطابي المتبادل نوعاً من التفاوض. الصفقة واردة إذا اقتصرت على المشروع النووي الإيراني، غير أن طبيعتها وحدودها ومدى تأثيرها على معادلات الإقليم.. مسألة أخرى. 
بدا مستلفتاً في تلويح «ترامب» بالعمل العسكري ضد إيران، أنه سوف يتم بالشراكة مع إسرائيل. كانت تلك الإشارة انقلاباً عكسياً.. على الطريقة «المهينة»، التي عامل بها «نتنياهو» في البيت الأبيض. ربما أراد أن يرد اعتبار «نتنياهو»، دون أن يغير توجهه الرئيسي لعقد صفقة مع إيران. 
بما هو مؤكد بالتوقيت نفسه أن صفقة أخرى تطبخ.. لإنهاء الحرب في غزة؛ اعتماداً على ما أملى في واشنطن على «نتنياهو».. عبر «ويتكوف»، باجتماع ضمهما. 
لماذا يفرض «ترامب» الآن على الإسرائيليين.. وقف إطلاق النار؟ باليقين، ليس لأسباب إنسانية، ولا استشعاراً لحرج أمام مشاهد التقتيل والتجويع.. الذي لا مثيل له في التاريخ الإنساني الحديث كله.  

إنه يطلب هدوءاً مؤقتاً قبل زيارته للخليج، خشية عرقلة أهدافه الاقتصادية والاستراتيجية، التي تسعى لتطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل. 
لم يتخلَّ – رغم ذلك كله – عن مشروعه لـ «تطهير غزة»، أو الاستثمار الاستراتيجي في التوحش الإسرائيلي.. لدفع الفلسطينيين إلى طلب التهجير الطوعي. اتصل مع عدد من الدول – لم يسمِّها – لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين.. حتى تكون فلسطين التاريخية كلها إسرائيلية! 
بالمفارقة مع كل مقارباته يدعو الآن إلى استراتيجية كاملة لما بعد حرب غزة. أية استراتيجية؟! لا توجد أية خطة واضحة ومحددة لليوم التالي. 
لا يستشعر وطأة المجازر على الضمير الإنساني، ولا يأبه بإخلاء رفح الفلسطينية من سكانها.. على الحدود المصرية، وتدفق فرق إسرائيلية كاملة عليها. التهجير القسري ما يزال ماثلاً، إجراءاته وخططه تنتظر لحظة تهاون. 
إذا ما جرى ذلك السيناريو، فإن الحرب محتمة. هذا خطر حقيقي على مستقبل القضية الفلسطينية.. بالتصفية النهائية، والأمن القومي المصري.. باستهداف سيناء وسيادتها. 
بغضِّ النظر عن حسابات «ترامب»، وفوضوية قراراته، فإن القضية أولاً وأخيراً.. مصرية وعربية. إنها قضية وجودية، تستحق أعلى درجات اليقظة والتنبه، والتضحيات.. إذا لزم الأمر دون تعلق بأية أوهام. 

نقلاً عن «الشروق» 

شارك هذه المقالة