عبدالله عبدالسلام
بالتأكيد، هناك أسباب اقتصادية وسياسية لحرب الرسوم التجارية.. التي أعلنها ترامب على العالم، ثم اختزلها حالياً في حربه على الصين وحدها. الرئيس الأمريكي يعتقد أن بلاده تعرَّضت للسرقة، وخسرت تريليونات الدولارات.. بسبب استغلال أو استغفال الحلفاء والخصوم لها؛ يصدِّرون لها سلعهم، ويفرضون قيوداً على صادراتها إليهم. هكذا يعتقد. هو أيضاً مقتنع بأن هناك فرصة لإعادة ترتيب الأوضاع عالمياً وجعل القرن الجديد – كما سابقه – أمريكياً. لكن هناك عاملاً نفسياً يغلف هذه الحرب التجارية، التي ستعيد رسم خريطة العالم.. إذا تصاعدت دون قدرة على التوصل إلى تسوية.
في عام 1996، صدر كتاب ألفه مجموعة كُتاب صينيين بعنوان: «الصين تستطيع أن تقول لا». خلاصته.. ضرورة الوقوف في وجه التسلط الأمريكي، ونفض غبار الإذلال التاريخي الذي عانت منه الصين أمام الغرب.
شهدت السنوات التالية صعوداً صينياً غير مسبوق، اقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً. تنبهت أمريكا للخطر. اعتبرت الإدارات المتعاقبة الصين.. التهديد العسكري والاقتصادي الأبرز للقوة الأمريكية. فرض ترامب ثم بايدن عقوبات على الصادرات والسلع الصينية، لكن عدوانية ترامب في رئاسته الثانية لا مثيل لها.
الأخطر أنه يتعامل مع بكين.. بدونية وتعالٍ، وربما احتقار. عندما فرض العقوبات، كان يتوقع ألا ترد الصين، وأن تأتي إليه مستجدية للتفاوض.. كعشرات الدول الأخرى. لم يحدث. شن المسؤولون الأمريكيون حرباً كلامية عنصرية ضدها. نائبه فانس قال: «نقترض من الفلاحين الصينيين المال، ثم نشتري به سلعاً يصنعونها. ليست هذه وصفة لازدهار الاقتصاد، ولا لخفض الأسعار». بدا فانس وكأنه يتحدث عن دولة متخلفة تمُن عليها أمريكا. لا يدرك هذا المتعجرف أن الصين.. أصبحت رائداً عالمياً في الذكاء الاصطناعي، والسيارات الكهربائية، وإنتاج الطاقة.
بكين وصفت تصريحاته بأنها جاهلة، وغير محترمة.
في المقابل، يقدم الرئيس الصيني تشي نفسه.. كمحفز لعودة الهيبة للصين وحضارتها. يعتقد أن الاستسلام لرئيس منفلت اللسان.. لن يحدث. إظهار الضعف أمامه سيقوِّض مكانته ومكانة بلاده. الحكومة الصينية تدرك أن حرب ترامب التجارية.. ستؤثر سلباً على البلاد لكن «السماء» لن تسقط. صحيفة «تشاينا ديلي» قالت: «الرضوخ غير وارد.. ليس لأن الصين لا تفهم ما تعنيه التأثيرات السلبية للرسوم غير المسبوقة، ولكن لأنها تعلم أيضاً أن الخضوع للتنمر لن يفيدها شيئاً».
تخوض الصين الحرب وهي تدرك نقاط قوتها. تعتمد بشكل أقل على الواردات من أمريكا، بينما واشنطن تعتمد أكثر عليها. عززت تجارتها مع العالم.. بعد عقوبات ترامب 2018. يمكنها مقاطعة السلع الأمريكية شعبياً وبشكل مؤلم. تدرك أيضاً أن نقاط ضعف أمريكا عديدة. توطين الصناعات على الأراضي الأمريكية صعب للغاية. رؤساء الشركات – الذين يريد ترامب عودة مصانعهم للداخل – متخوفون من التكلفة الهائلة، واحتمالية إلغاء الإدارة المقبلة الرسوم. ثم إن الأمريكيين تعوَّدوا العمل في صناعات مرفهة؛ كالخدمات والتكنولوجيا المتطورة، وليس كثيفة العمالة كالغزل والنسيج.
ليس معنى ذلك أن النصر مضمون للصين، لكن تقلبات ترامب، وافتقاره لاستراتيجية واضحة، وعدم إظهاره الاحترام للصين وكرامتها.. يُعطي أوراقاً أفضل لها، إلا إذا حوَّل ترامب الأزمة إلى حرب وجود.. إما أمريكا أو الصين.
نقلاً عن «المصري اليوم»