Times of Egypt

حفظ الله سورية

M.Adam

عبدالله حموده


بعد مخاض طال منذ عام 2011، سقط حكم الرئيس بشار الأسد في دمشق.. وغادر البلاد ليلا؛ في تطور دراماتيكي.. في أعقاب نجاح إسرائيل، في تحجيم قدرة حزب الله اللبناني.. على تهديد وجود الاستيطان في شمال فلسطين المحتلة. بدت الفرصة سانحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية لقضم الحلقة الأقرب من النفوذ الإيراني، بالتحرك لتغيير النظام في دمشق؛ بما يحقق أهدافا متعددة لإسرائيل.. على رأسها تضييق الحصار على حزب الله، واستبعاد التواجد الإيراني في سورية.
وتشير سرعة إيقاع التطورات.. إلى خطط معدة مسبقا، لعمل ما يلزم، اعتمادا على منظمة العلاقات بين الأطراف المستفيدة من سقوط نظام الأسد. وهنا تجدر الإشارة إلى زيارة سرية لرئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي رونين بار إلى تركيا.. منتصف شهر نوفمبر الماضي، تفيد بعض التقارير أنه تم خلالها الاتفاق على تنشيط ما أصبح يعرف باسم «فصائل المعارضة المسلحة» – التي قوامها «هيئة تحرير الشام»، التي كانت تعرف مسبقا باسم «جبهة النصرة».. بعد أسماء أخرى، من بينها «الفرع السوري لتنظيم القاعدة»!! مع مايقدر بنحو 37 فصيلا مسلحا!! – للحشد والتحرك جنوبا ضد نظام الأسد. ومن ثم يجب ألا يكون بعيدا عن الذهن.. التوافق بين تركيا على تقديم الخدمات اللوجستية والتسهيلات، والقوات الأمريكية الموجودة في شمال شرق سورية، مع الخطط الإسرائيلية.. التي أسهمت مع الجميع في التشويش الإلكتروني.
ولا يخفى على أحد.. أهمية بث قناة «سي إن إن» الأمريكية، مقابلة مع القائد العام لـ «الفصائل المسلحة».. أبو محمد الجولاني قائد «جبهة النصرة» باسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع، الذي أعلن من قبل عام 2021 في مقابلة مماثلة على قنا«بي بي إس» الأمريكية أيضا. وكل ذلك في وقت مازال اسم الجولاني على قائمة المطلوبين من جانب واشنطن.. بتهمة الإرهاب، مع مكافأة قيمتها 10 ملايين دولار، لمن يقدم معلومات تؤدي إلى القبض عليه. كما لا يخفى على أحد أن مقاتلين من «جبهة النصرة» تلقوا علاجا من إصابات – تعرضوا لها في سنوات سابقة – في مستشفيات إسرائيلية.. عادوا بعدها للعمل مع تنظيماتهم في شمال سورية.
ومع تفهم أن هناك فرحة عارمة تعم في أوساط الشعب السوري، ورغبة كثيرين من النازحين في الخارج في العودة إلى وطنهم، وتأكيد رئيس الوزراء المؤقت محمد الجلالي استعداده لتسليم السلطة سلميا، والمشاركة – أو الأمل في الترتيب لانتخابات ديمقراطية شفافة – يختار فيها السوريون نظام الحكم الذي يرغبون فيه، تبدو التحديات الداخلية والخارجية هائلة؛ بسبب تعدد الأطراف التي تمثلها «الفصائل المسلحة»، والقوى السياسية السورية الأخرى، وارتباطات تلك الفصائل والقوى مع دول بعينها، ومصالح تلك الدول في الجغرافيا السياسية الإقليمية.
وربما كانت التحديات الداخلية تتمثل في عملية معقدة.. تتضمن وضع دستور جديد للبلاد (أو إدخال تعديلات على الدستور الحالي)، وتحديد التوجهات السياسية للدولة في المرحلة القادمة، وإعادة بناء الاقتصاد.. بما يعالج الفوارق الهائلة بين مناطق الحضر وبين الريف، وتحقيق الوفاق بين الطوائف في سياق مواطنة عادلة، وتأمين عودة النازحين إلى كل المناطق السورية، والتوصل إلى موقف وطني جامع للكافة، قادر على التعامل مع الأطراف الأجنبية.. بما يحقق مصالح سورية؛ خاصة تلك التي لها تواجد على الأراضي السورية؛ وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وروسيا، مع عدم استبعاد المطالب الإسرائيلية. ومن الضروري عدم تجاهل المطامع الإسرائيلية، لأن الكيان الصهيوني يرى نفسه صاحب دور في إسقاط نظام الأسد، وفي ختام اجتماع أخير لمجلس الوزراء الأمني، أعلن عن رغبته في تأسيس دويليتين: «كردية» في الشمال، و«درزية» في جنوب سورية. كما شنت المدفعية الإسرائيلية قصفا على منطقة الجولان (غير المحتلة).. لردع أي احتمال لـ «عدوان» على الجزء المحتل من الجولان. ولا يمكن استبعاد تدخل جيش الاحتلال الصهيوني، لاستغلال الفراغ الحالي في دمشق.. باحتلال المنطقة التي يريد إقامة دويلة «درزية» فيها.. في ضوء حشد قوات إسرائيلية هناك، وقصف مخازن أسلحة للجيش العربي السوري، بحجة منع وقوعها في يد أعداء للدولة الصهيونية.
وإذا كان هذا الموقف الإسرائيلي.. يمثل أول تهديد لوحدة سورية، فإن هناك تقارير عن أطماع تركية لإقامة كيان موالٍ لها في الشمال، لتأمين حدودها.. ضد أي احتمال تهديد من جانب عناصر حزب العمال الكردستاني.
ويترقب كثيرون أن تتحقق تفاهمات بين روسيا وبين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا – وهي الدول الثلاث التي لها قوات على الأراضي السورية – وربما تشارك الصين في تلك التفاهمات (كما يقول البعض).. في سياق يجمع بين مقتضيات الجغرافيا السياسية الإقليمية والعالمية، لتأمين وحدة الأراضي السورية. لكن هناك صعوبات تكتنف احتمالات التوصل هذه التفاهمات، بسبب التماهي الكامل بين الرؤيتين الأمريكية والإسرائيلية، والموقف التركي الذي يرغب في عائد مما يرى أنه إنجاز شاركت أنقرة في تحقيقه. بينما يتشكك البعض في وزن الموقف الروسي، الذي يواجه ضغطا أمريكيا لاستبعاد تواجد قواته في المشرق العربي والبحر المتوسط لتنفرد به واشنطن.. لمصلحة إسرائيل.
كل هذا يجعل مسؤولية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.. على عاتق القوى السياسية والعسكرية السورية، ولا يمكن تأمين تحقق ذلك، إلا من خلال وحدة القوى الوطنية السورية. وهذا يعني ضرورة سرعة «توطين» المعارضة السورية العائدة من الخارج (مسلحة ومدنية)، وإعادة صياغة علاقاتها – وخاصة اعتمادها – على الأطراف الدولية التي استضافتها وقدمت لها الدعم.. من «التبعية» إلى العلاقات الودية «المتكافئة». وهذا يعتبر أعظم اختبار للوطنية السورية من جانب أولئك العائدين.. وكافة أطياف القوى السياسية والعسكرية السورية.
حفظ الله سورية.

شارك هذه المقالة