زاهي حواس
نستكمل في هذا المقال التقرير الرسمي.. الذي سُجل بعد أحداث المعركة الحربية الشهيرة، المعروفة باسم «موقعة قادش» – بين الجيش المصري بقيادة فرعون مصر رمسيس الثاني وبين جيوش دولة خيتا والدويلات المتحالفة معها – التي ذكرها التقرير بالتفصيل، وننصح من لم يقرأ المقال السابق.. بالرجوع إليه، حتى يسهل عليه فهم ما حدث في تلك الموقعة الحربية. وقد وصلنا إلى لحظة القبض على اثنين من جواسيس الحيثيين، اللذين أطلعا الفرعون على الخدعة التي دبرها الحيثيون ومن معهم، للإيقاع بالفيلق العسكري الذي يقوده فرعون بنفسه، وهو فيلق آمون، قبل انضمام باقي وحدات الجيش المصري إليه.
ونواصل التقرير:«عندئذ أمر جلالته (رمسيس الثاني) أن يتم استدعاء القادة.. ليجعلهم يسمعون الكلام كله الذي قاله جاسوسا خيتا المخادعة – وهما في حضرته في المجلس – قال جلالته لهم: انظروا إلى هذه الخطة (الخاصة بأولئك الرؤساء على البلاد الأجنبية)، وكذلك كبار الموظفين المشرفين على أراضي فرعون.. له الحياة والعافية والصحة، حيث وقفوا قائلين لفرعون له الحياة والعافية والصحة يومياً؛ إن زعيم خيتا الخاسئ في أرض حلب في الجهة الشمالية من تونب، ولقد هرب من أمام جلالته. حينما سمع من يقول إن فرعون له الحياة والعافية والصحة قد جاء. هكذا تحدثوا إلى جلالته يومياً، ولكن انظروا لقد عقدت جلسة في هذه الساعة.. مع جاسوسَي خيتا الخاسئة، فاعترفوا أن زعيم خيتا الخاسئة قد جاء مع ممالك عديدة، ومعه ناس وخيول كعدد الرمال. انظروا لقد عسكروا مختبئين خلف قادش المخادعة.. دون أن يعلم حكام بلادنا الأجنبية مع عظمائنا. ولم يقولوا لنا أين هو؟! هنا قال القادة الذين كانوا في حضرة جلالته.. إنه خطأ عظيم ذاك الذي ارتكبه أمراء البلاد الأجنبية.. مع كبار موظفي الفرعون له الحياة والعافية والصحة، بعدم الإخبار بما سمعوه عن زعيم خيتا الخاسئة، وأنه بالقرب من فرعون هنا!
لقد كان عليهم أن يقدموا تقريراً لفرعون له الحياة والعافية والصحة يوميًا.عندئذ أمر الوزير أن يسرع بجيش جلالته (الكتيبة الثانية).. الذين كانوا يسيرون جنوبي مدينة شبتونا، لكي يحضرهم إلى المكان الذي فيه جلالته. ولكن بينما كان جلالته جالساً يتحدث مع القادة، هجم زعيم خيتا الخاسئ مع مشاته وعرباته الحربية، وكذلك جيوش البلاد الأجنبية العديدة التي كانت معه، وقد عبروا القناة الواقعة إلى الجنوب من قادش، عندها اقتحموا منتصف جيش جلالته.. الذين كانوا يسيرون وهم لا يدرون، ومن ثم تراجع مشاة وعربات جلالته في مواجهتهم متجهين شمالاً نحو المكان الذي كان فيه جلالته. عندئذ أحاط الأعداء من خيتا الخاسئة بحرس جلالته.. الذين كانوا معه، وعندما حقق جلالته النظر فيهم، انقض عليهم غاضباً.. مثل أبيه مونتو (إله الحرب)، وقد دجج بعتاد الحرب، ولبس درعه.
وأصبح مثل سوتخ (إله الصحراء) في ساعته. وعندئذ أسرع بجواده العظيم المسمى «المنتصر في طيبة». ثم انقض بسرعة وحيداً منفرداً. وكان جلالته شجاع القلب؛ وقد سقط أمامه كل إقليم ووجهة.. جذوة نار تحرق كل البلاد الأجنبية بلهبه. وقد أصبح مثل الأسد الهصور – في قوته وغضبه – يرسل إليهم شواظاً من لهب.
من الصعب وصف كيف هجم على الأعداء.. عندما رآهم. وقد اقتحم جلالته في قلب أعدائه؛ هؤلاء الذين كانوا مع زعيم خيتا الخاسئ، مع العديد من البلاد الأجنبية الذين كانوا معهم. بينما كان جلالته مثل سوتخ (إله الصحراء).. عظيم القوة، ومثل الإلهة سخمت (إلهة الحرب).. في وقت غضبها.
وقد أخذ جلالته في تذبيح إخوة زعيم خيتا الخاسئ.. إلى آخرهم، وبالمثل كل عظماء البلاد الأجنبية كلها – التي جاءت معه ومشاتهم وعرباتهم الحربية – فقد سقطوا على وجوههم الواحد فوق الآخر، وقد قتلهم جلالته في أماكنهم. وقد خروا صرعى أمام سنابك خيله. وقد كان جلالته وحده.. لا أحد معه.
لقد أطاح جلالته بالأعداء من خيتا – الخاسئين على وجوههم، الواحد فوق الآخر – كما يسقط التماسيح في مياه نهر العاص، وكنت وراءهم مثل المارد الخارق، وكنت وحيداً.. بعد أن تفرق مشاتي وعرباتي الحربية، ولم يقف واحد من بينهم يلتفت. وإني أقسم بحب رع، وبقداسة أبي أتوم، بأن كل شيء قاله جلالتي.. فعلته حقاً أمام مشاتي وعرباتي الحربية. وقد كنت مثل مونتو في قوته».
إلى هنا ينتهي التقرير الرسمي عن المعركة، ونعرف أن فرقة رمسيس المتقدمة كاد يُقضى عليها.. بعدما فاجأها العدو من مكان غير متوقع، قبل انضمام باقي الفرق إلى فرقة آمون – التي كان يقودها رمسيس الثاني – ونعرف من مصادر مصرية أخرى، الموقف الرهيب الذي كان فيه رمسيس الثاني، الذي أنقذه منه – في اللحظات الأخيرة – فرقة الصاعقة المصرية، التي تحدثنا عنها من قبل. ونعرف أيضاً أن موازين معركة قادش.. قد انقلبت لصالح الجيش المصري، بعد وصول باقي الفرق إلى قادش. ولكن هناك من الباحثين من حاولوا التشكيك في نتائج المعركة.. متعللين بالمعاهدة التي وقعها رمسيس الثاني مع الحيثيين! وللحديث بقية بإذن الله.
نقلاً عن «المصري اليوم«