محمد أبوالغار
في زيارة للبر الغربي في الأقصر الأسبوع الماضي، اكتشفت أن بيت هوارد كارتر مفتوح للزيارة، فقمت بزيارته وتجولت فيه وصوَّرت كل حجراته، وكذلك صوَّرت المبنى من الخارج والمنطقة حوله، وهذا هو البيت الوحيد الموجود بالبر الغربي في وادي الملوك، ونال كارتر شهرة عالمية بعد اكتشافه لمقبرة توت عنخ آمون.
الزيارة كانت سهلة، وبالرغم من العدد الضخم للسياح، فإن التنظيم كان رائعاً واستخدم ماكينات لشراء تذاكر الدخول لوادي الملوك، وشراء أي تذاكر إضافية لمقابر معينة.. يتم باستخدام كروت الائتمان، وتوجد عربات الجولف الكهربائية لنقل الزائرين من منطقة شباك التذاكر إلى منطقة المقابر في الوادي. وقد اخترت شراء تذاكر لزيارة ثلاث مقابر إضافية؛ هي سيتي الأول وتوت عنخ آمون والثالثة كانت مغلقة وهي مقبرة نفرتاري الرائعة، ثم تذكرة لزيارة بيت هوارد كارتر. زيارة بيت كارتر كانت هامة بالنسبة لي لأنه شخصية هامة، وتربطه علاقة بمصر استمرت حوالي 45 عاماً، فقد وُلد عام 1874 في لندن عام 1939، ومات ودُفن في لندن وله 5 أبناء وبنت واحدة.
شاهد علماء آثار بريطانيون شاباً.. وهو يقوم برسم الآثار المصرية في المتحف البريطاني في لندن، فأعجبوا بمهارته في الرسم وطلبوا منه أن يصحبهم إلى مصر كرسام للآثار. في هذه الفترة كان التصوير أبيض وأسود فقط وكان في مراحله الأولى، ولذا كان اعتماد الأثريين في توثيق أعمالهم على الرسم اليدوي بالألوان. في هذه الفترة كان هناك اهتمام عالمي من علماء الآثار بمصر القديمة، فسافر إلى مصر مع أحد علماء الآثار وعمره 17 عاماً ضمن بعثة بريطانية تنقب في المنيا وفي منطقة بني حسن، وكانت مهمته رسم ما تم اكتشافه، وعمل كارتر في تل العمارنة والدير البحري وطيبة وإدفو وأبوسمبل، ونال إعجاب الجميع.. لقدرته الفائقة في تقليد الرسوم. وخلال هذه السنوات، تعلَّم مبادئ التنقيب في الحفائر، ودرس أجزاء من تاريخ الفراعنة، وبدأ يتطلع إلى أن يقوم بنفسه بالتنقيب عن الآثار. وفي عام 1907 قابل كارتر اللورد كارنرفون، وهو بريطاني شديد الشراء ومتيم بالآثار المصرية، وأقنع كارتر اللورد بأن يقوم بتمويل حفائره في مقابر النبلاء في البر الغربي بالأقصر.
واستطاع لورد كارنرفون في عام 1914 أن يحصل على رخصة للتنقيب في وادي الملوك، وقام بتكوين فريق عمل للبدء، ولكن قيام الحرب العالمية الأولى أعاقة عن البدء، وبدأ كارتر في التنقيب بعد انتهاء الحرب.. عام 1918. وبعد 3 مواسم شتوية للتنقيب، فشل فيها كارتر في العثور على شيء له أهمية كبرى، اتفق معه اللورد.. أنه سوف يعطيه فرصة أخيرة لموسم آخر. وفي 4 نوفمبر 1922، عثر عمال كارتر على أول جزء من السلم المؤدي إلى المقبرة، واستمر في الحفر حتى وصل إلى مدخل المقبرة، وشاهد ما لم يتخيله أحد داخل المقبرة، فأغلق الباب بالشمع الأحمر، وأرسل تليغرافاً إلى اللورد بالاكتشاف، فطلب منه التوقف حتى حضوره، واستغرق ذلك بضعة أسابيع. وفي 26 نوفمبر، دخل اللورد وكارتر إلى المقبرة، وشاهدا كميات الذهب والآثار، واستمرت الحفريات. وفي 16 فبراير 1923 فتح كارتر حجرة الدفن، ووجد مومياء الملك توت عنخ آمون.
كان لهذا الاكتشاف دوي عظيم في العالم كله. واستمر كارتر في الحفر.. للانتهاء من فحص وتصوير وترتيب الاكتشافات.. حتى عام 1932. وخلال هذه الفترة، توفي اللورد. كان عقد كارتر واللورد مع هيئة الآثار المصرية، ينص على أنه في حالة اكتشاف مقبرة تم فتحها قبل ذلك؛ تأخذ مصر النصف، والنصف الآخر إلى اللورد وكارتر. أما إذا كانت المقبرة لم يسبق اكتشافها، فيؤول كل شيء إلى هيئة الآثار المصرية. وقد حاول كارتر الادعاء بأن المقبرة سبق أن فُتحت.
في هذه الفترة، كان كارتر يسمح للضيوف الأجانب بزيارة المقبرة، وينظم لهم زيارات خاصة، ومنع دخول المصريين، حتى الشخصيات المصرية الهامة.
في فبراير 1923، شكَّل سعد زغلول الوزارة، وأصبح مرقص حنا وزيراً للأشغال، وكانت الآثار تتبعه في ذلك الوقت، فأصدر أمره بإغلاق المقبرة، ومنع كارتر من الدخول.. إلى أن يتم الاتفاق معه على أن يتم كل شيء تحت إشراف الحكومة المصرية، وهكذا أُنقذت آثار توت عنخ آمون. وتم اتهام كارتر بسرقة بعض الآثار، وفعلاً تم بيع قطع إلى متحف المتروبوليتان في نيويورك.. الذي أعادها إلى مصر.
بالرغم من كل شيء، يظل كارتر أسطورة تاريخية باكتشافه، وقد تم تصميم بيت هوارد كارتر، بواسطة المعماري سومرز كلارك.. بالاشتراك مع كارتر، وتكفل اللورد بتكاليف البناء، وتم البناء عام 1911.. أثناء المرحلة الأولى من العمل في جبانة النبلاء. وكان بيت كارتر هو مكان العمل والدراسة، وفحص الاكتشافات.. حتى مرضه الأخير، الذي سافر بعده إلى لندن للعلاج، وتوفي هناك عام 1939.
المبنى تعلوه قبة من الطوب المصنوع من الطين، وأقيم على هضبة صغيرة في الطريق الذي يصل بين وادي الملوك والدير البحري، حيث معبد حتشبسوت.
الطريق ممهَّد بالسيارة إلى البيت سهل، وعدد الزوَّار القادمين لزيارة البيت قليل جداً.. مقارنة بمئات الآلاف الذين يزورون وادي الملوك والدير البحري. المنزل عليه حارس، ويوجد أثري مكلف برعايته، وأمامه حديقة رائعة.. ما زالت محتفظة برونقها. وهو من دور واحد وله مدخلان وتوجد بلكونة واسعة مغطاة بالسلك لمنع الناموس والحشرات، ويوجد بعض النخيل بالقرب من البيت.
المدخل يؤدي إلى صالة، بها شماعة.. معلق عليها قبعات خوص أو صوف، ومنشة، وتحتها يوجد ثلاث عصي.. كان يستخدمها في المشي. وهناك حجرتان للنوم؛ إحداهما لكارتر والأخرى للضيوف، وكل سرير عليه ناموسية، ويوجد دولاب كبير.. له مرآة كبيرة بطول الدولاب، وكومودينو كبير، ومنضدة من الخشب مغطاة بالرخام، وعلى الأرض عدد من حقائب السفر القديمة، وصندوق من القش.
وحجرة نوم الضيوف.. بها سرير وكومودينو وكرسي ودولاب صغير. وهناك حجرة المكتب، ويوجد بها مكتب ودواليب، وعليها آلة كاتبة ولمبة بالكيروسين، ويوجد دولاب خاص بحفظ الأوراق وخزنة حديدية. وتوجد حجرة مظلمة لتحميض الأفلام، وبجوارها حجرة لتجفيفها وآلات تصوير قديمة وأثرية. والحمام مجهز بطريقة حديثة نسبياً، وكذلك المطبخ. وتوجد على الحوائط صور كثيرة من الحفريات، وحجرة بها عدة أزيار للماء وتنقيته.
هناك صورة لأصل خطاب بخط اليد.. مرسل من كارتر إلى أمه، يقول: أمي العزيزة، أنا لا يمكن أن أنساكِ، وأرجو أن تغفري لي صمتي، وعدم إرسال خطابات من آن إلى آخر. ثم يحكي عن المكان الذي يعمل به ويقول: يتجول المرء هنا فوق مواقع.. تضم منجزات عظيمة الشأن. ويحكي في خطاب – من صفحتين – عن عمله وعن أهالي الأقصر، وأخيراً يبعث بتحياته إلى العائلة.
البيت تحفة أثرية، والحفاظ عليه وتنظيمه.. عمل عظيم. أدعوكم لزيارته، وزيارة البر الغربي.. بعد التحسن الواضح والتسهيل في الزيارة. ودعونا نفكر في أجدادنا العظماء، الذين أبهروا العالم.. بحضارة ما زالت آثارها موجودة بعد آلاف السنوات.
لعلنا نحاول أن نسير على نهجهم، فنحافظ على آثارنا من كافة العصور، ونعيد جزءاً من مجد مصر.
قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك.
نقلاً عن «المصري اليوم»