منذ سقوط نظام بشار الأسد، يوم الأحد الماضي، شهدت سوريا فصولًا جديدة من المعاناة الإنسانية، حيث يتدفق آلاف المدنيين السوريين إلى سجن صيدنايا بحثًا عن أي معلومات عن أقاربهم المفقودين. يعد هذا السجن واحدًا من أكثر المواقع سرية وسوء سمعة في البلاد، حيث ارتبط اسمه بفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان على مدى عقود.
تقول جماعات حقوق الإنسان إن عشرات الآلاف من المعتقلين مروا عبر سجن صيدنايا، حيث واجهوا تعذيبًا منهجيًا وظروفًا لا إنسانية، شملت الحرمان من الطعام والماء والرعاية الطبية الأساسية. كما أُعدم الآلاف في عمليات شنق جماعية بعد محاكمات صورية استمرت دقائق معدودة. وقدرت إحدى المنظمات أن أكثر من 30 ألف شخص لقوا حتفهم داخل هذا السجن، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
السجن الأكثر سرية وسوء سمعة
تأسس سجن صيدنايا عام 1987 على تلة شمال العاصمة دمشق، ليكون سجنًا عسكريًا يُحتجز فيه السجناء السياسيون. وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، كان السجن رمزًا للقمع في نظام بشار الأسد، حيث تحول إلى أداة رئيسية لقمع المعارضة المدنية. ووصفته منظمة العفو الدولية بأنه “مسلخ بشري”، في إشارة إلى الجرائم المروعة التي ارتُكبت داخله.
حماية مشددة ومآسٍ بلا نهاية
كان سجن صيدنايا محميًا بمئات الجنود والحراس، ومحاطًا بحقول ألغام لضمان عزلته الكاملة. في عام 2007، كان السجن يضم نحو 1500 معتقل، لكن العدد ارتفع بشكل كبير بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، ليصل إلى 20 ألف سجين، وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية الصادر في عام 2017.
مع تصاعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2011، أطلقت السلطات السورية سراح بعض السجناء، لكنها بدأت في اعتقال الآلاف من الناشطين والصحفيين والأطباء وعمال الإغاثة والطلاب وغيرهم. وجرى إرسال العديد منهم إلى صيدنايا ليكون السجن الأخير الذي يُحتجز فيه المعتقلون، بعد قضائهم فترات طويلة في مراكز احتجاز أخرى.
اتهامات باستخدام محرقة الجثث
في عام 2017، اتهمت الولايات المتحدة الحكومة السورية باستخدام محرقة جثث داخل سجن صيدنايا لإخفاء جرائم الإعدام الجماعي. وأشار التقرير إلى أساليب التعذيب المروعة التي شملت الضرب، والطعن، والاعتداء الجنسي، والصدمات الكهربائية، وقطع الأذنين والأعضاء التناسلية.
قليلون فقط ممن أُطلق سراحهم وصفوا الظروف داخل السجن. كانوا يشيرون إلى زنازين مكتظة ومليئة بالقاذورات، حيث تُرك السجناء ليموتوا بسبب الجروح والأمراض غير المعالجة. وأفاد الناجون بأن المعتقلين أُجبروا على قضاء حاجتهم في الزنازين التي تفتقر إلى مراحيض، وكانت الوجبات قليلة وغير صالحة للاستهلاك، ما أدى إلى انتشار الأمراض العقلية والجسدية بين السجناء.
عقوبات قاسية وروتين يومي قاتم
داخل صيدنايا، كانت القواعد صارمة وسادية في كثير من الأحيان. لم يكن يُسمح للسجناء بالنظر إلى الحراس أو التحدث أو إصدار أي صوت حتى أثناء التعذيب. وكان المعتقلون يُعاقبون بالحرمان من الماء أو إجبارهم على النوم دون أغطية في ظروف البرد القارس.
في كل صباح، كان الحراس يجمعون جثث المعتقلين الذين قضوا خلال الليل، ويتم نقلهم إلى مستشفى عسكري لتسجيل وفاتهم كحالات “فشل في القلب أو الجهاز التنفسي”. بعد ذلك، تُنقل الجثث إلى مقابر جماعية خارج دمشق، دون أن يعلم ذووهم بمصيرهم.
إعدامات جماعية تحت ستار العدالة
وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية، كان المعتقلون يتعرضون للتعذيب للحصول على اعترافات قبل نقلهم إلى محاكم ميدانية عسكرية تدينهم خلال دقائق قليلة. كان السجناء يُسحبون من زنازينهم بشكل جماعي، وأُخبروا بأنهم سينقلون إلى سجون مدنية. لكن بدلاً من ذلك، تم نقلهم إلى قبو السجن، حيث تعرضوا للضرب الشديد قبل إعدامهم شنقًا في منتصف الليل.
تُظهر التقديرات أنه بين عامي 2011 و2015، أُعدم ما بين 5000 و13,000 شخص بهذه الطريقة. ورغم عدم وجود أدلة مؤكدة على استمرار الإعدامات بعد عام 2015، إلا أن التقارير تشير إلى أن المحاكمات الصورية لا تزال مستمرة، ما يجعل استمرار الإعدامات مرجحًا.
آلات الموت: المكبس الآلي
أفادت تقارير بأنه تم العثور داخل سجن صيدنايا على مكبس آلي في غرفة الإعدام. وتشير الشهادات إلى استخدام هذا المكبس لسحق أجساد المعتقلين الذين أُعدموا، ما يحولها إلى طبقات رقيقة يسهل التخلص منها. ورغم تضارب الروايات حول وظيفته، إلا أن وجوده يضيف بُعدًا جديدًا للرعب المرتبط بهذا السجن.
قالت منظمة “الخوذ البيضاء”، وهي مجموعة تطوعية سورية، إنها ساعدت في إطلاق سراح ما بين 20 و25 ألف شخص من صيدنايا، لكنها أشارت إلى أن آلافًا آخرين ما زالوا في عداد المفقودين. كما أرسلت فرقًا متخصصة للبحث عن زنازين سرية داخل السجن، إلا أنها لم تعثر على أدلة تُثبت وجودها.