Times of Egypt

سوريا.. مخاض مستمر «2»

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال

في الوثيقة التأسيسية للجبهة الوطنية السورية المعارضة – التي أشرتُ إلى ديباجتها وخاتمتها في
المقال السابق؛ توجد 5 نقاط.
أولاها: مدخل سياسي حول الحرب التي لم تنتهِ، ويرصد المحاولة التي اتجهت لملء الفراغ
السياسي بعد سقوط النظام السوري السابق، فأنتجت سلطة جديدة.. من فصائل تابعة لهيئة تحرير
الشام.. المصنفة دولياً جماعةً سلفيةً جهاديةً، جاءت بهيكل سلطوي.. عين فيه أحمد الشرع رئيساً
انتقالياً.. في مؤتمر النصر الذي عقد يوم 29 يناير 2025، وتلاه مؤتمر الحوار الوطني يومَي
24 و25 فبراير؛ في قفز واضح على المفهوم التأسيسي لهذا المؤتمر، الذي كان من المفترض أن
يكون مدخلاً لصياغة عقد اجتماعي جديد.
وصدر الإعلان الدستوري في 13 مارس 2025.. متجاوزاً المفهوم التقليدي للإعلانات
الدستورية في المراحل الانتقالية، وواضعاً السلطات كافةً بيد الرئيس الانتقالي.
وتعتبر الوثيقة.. أن ما جرى يشكل خرقاً متعمداً للإجراءات؛ التي تتبع في مراحل الانتقال
السياسي.. (وأهمها انعقاد مؤتمر وطني جامع، ووضع دستور انتقالي، وتأسيس مجلس نيابي
منتخب). وتصل الوثيقة إلى أن سوريا أمام سلطة.. تفتقر إلى «العقد الاجتماعي»، لكنها تتصرف
كأنها الدولة، وتقوم بإجراءات واسعة النطاق؛ مثل تسريح مئات الموظفين، واتخاذ قرارات
خارج اختصاص سلطات انتقالية.. متجاوزةً بذلك تضحيات الشعب السوري، الذي ناضل لعقود
ضد نظام الاستبداد الأسدي.
ثم تنتقل الوثيقة التأسيسية للجبهة الوطنية السورية إلى النقطة الثانية: تحت عنوان ««تفكك
المعارضة وغياب المنصة الوطنية»، وتشير فيها إلى أن القرار رقم 2254 لسنة 2015 –
الصادر عن مجلس الأمن الدولي – ينص على أن (الحل السياسي في سوريا يجب أن يكون بقيادة
سوريا.. عبر عملية تشمل كل الأطراف، وتفضي إلى تشكيل هيئة حكم، ذات تمثيل شامل ثم
دستور جديد فانتخابات حرة ونزيهة).. لكن ما حدث هو اختزال هذه العملية في طرف واحد،
نصّب من نفسه طرفاً وحيداً.. يقرر المصير. وأقصى كل الكتل السياسية والاجتماعية التي لا

تدور في فلكه. وعليه، فإن الجبهة الوطنية السورية المعارضة.. هي إطار وطني سوري
ديمقراطي، يجمع أحزاباً وتيارات وأفراداً.. يؤمنون بأن بناء الدولة السورية يجب أن يمر بمرحلة
انتقالية.. تقوم على التمثيل، وسلامة الإجراءات، وضمان الحقوق والحريات. وأن غياب التوافق
وانعدام العقد.. يفرغ أي سلطة من شرعيتها.
ثم تتحدث الوثيقة في نقطة ثالثة: عن المعضلة البنيوية؛ المتمثلة في شرعية غير مكتملة، وفي
مخاطر الإقصاء؛ حيث تتجه السلطة القائمة الآن.. إلى تكريس شرعية سلفية، تعيد تعريف
العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس الإفتاء والطاعة العقدية، وهيمنة مرجعية دينية واحدة..
في بيئة سورية شديدة التنوع.
وتشير الوثيقة إلى ميل بعض القوى الإقليمية والدولية.. للتعامل مع سلطة ناقصة السيادة
والشرعية؛ لكونها أقل كلفةً في التفاوض، وأسهل في الضبط، وأكثر قابليةً للتفكيك.. عند الحاجة.
وخطورة هذا الأمر، هي أنه يقصي السوريين من معادلة الحل، ويفرّغ القرار الوطني من
مضمونه؛ ما يجعل البلاد عرضةً للنكوص الاجتماعي والانكشاف الأمني، ويقوّض أي مسعى
لتعافٍ مستدام، وبناء عقد سياسي قابل للاستمرار.
وتتجه الوثيقة في نقطتها الرابعة: إلى التصدي لضمان سلامة الإجراءات؛ التي تعتبرها ليست
أمراً شكلياً، بل هي جوهر العقد السياسي، لأن التمثيل لا ينتج بالإعلان الذاتي، وإنما بالتفاهم
والقبول، والانخراط في عملية سياسية شفافة. وعليه، تحدد الوثيقة منهجها في المواجهة؛ فتقول:
إنه (إن أصرت السلطة القائمة على تثبيت نفسها – خارج إطار تمثيلي متوافق عليه – فسنواجه
هذا المسار بكل الوسائل السلمية والمشروعة.. السياسية والمدنية؛ دفاعاً عن حق السوريين في أن
يكونوا شركاء.. لا متلقين).
ويختتم السياق بالنقطة الخامسة: وهي إعلان التأسيس، فتعلن الجبهة الوطنية السورية المعارضة
نفسها.. (بوصفها إطاراً تأسيسياً جامعاً، وصاحبة مشروع بناء الدولة السورية الحديثة – التي تقوم
على مبادئ العقد السياسي، والتعددية السياسية، وفصل السلطات، والانتخابات الديمقراطية الحرة
والنزيهة، وأسس المواطنة المتساوية. وهي ليست جبهة معارضة تقليدية.. تنتظر الانتخابات
لتتسلم المناصب، وإنما معارضةً لسلطة.. لم تبنَ على أسس التمثيل الشعبي، بل قامت على مبدأ
الغلبة والاحتكار).

ذلك أهم ما جاء في الوثيقة السورية، ويبقى أن أشير إلى أنني تلقيت سيلاً من التعليقات
والتعقيبات.. على مقال الأسبوع الفائت، عن تلك الوثيقة.
وكانت مساحة بعضها كبيرةً.. تتجاوز مساحة المقال نفسه؛ وتتنوع بين مدافعين عن النظام
السوري الذي سقط، وبين منتقدين له.. ثم أؤكد – وبغير كلل – أن سوريا عزيزة على عقل وقلب
كل مصري.. يدرك أبعاد أمن وطنه. ولعل الشعب السوري العظيم، يتمكن من أن تكون عصمة
وطنه كاملةً في يده.
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة