Times of Egypt

«سيدات في وادي الملوك».. كتاب مبهر عن عالمات الآثار في القرن الـتاسع عشر

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبو الغار..
هذا كتاب ممتع – صدر في نهاية عام 2024- بقلم كاثلين شبرد، عن دار «سانت مارتن» في نيويورك. تتحدث فيه المؤلفة عن أول سيدة بريطانية.. الليدي داف جوردن..التي تركت زوجها وثلاثة أطفال في بريطانيا، وعمرها 41 عاماً، وجاءت عام 1864 لتعيش في شمس الأقصر.. لعلها تشفى من الدرن. وعاشت تعالج الأطفال والفلاحين وتعلمهم الإنجليزية، وتعلمت هي العربية، وأرسلت خطابات كثيرة نشرت بعد ذلك، وأعطت فكرة دقيقة عن الحياة في الأقصر في ذلك الوقت.
الكتاب يتحدث بالتفصيل.. عن حياة سبع من عالمات الآثار – اللاتي حضرن إلى مصر بعد ليدي جوزيف – وساعدن في الكشف عن الآثار المصرية وتوثيقها. هذه المقالة عن واحدة منهن هي إميليا إدواردز.
ولدت إميليا في يونيو 1831 في لندن، وكانت الطفلة الوحيدة لأب غني.. كان ضابطاً ثم أصبح يعمل بالبنوك. تلقت تعليماً في البيت.. في الآداب والفلسفة، وتمت خطبتها إلى شاب يحبها، ولكنها في النهاية.. قررت فسخ الخطوبة. توفي والدها وهي29 عاماً، واحترفت كتابة كتب شعبية توزع جيداً، وزاد ذلك من دخلها.
سافرت إلى روما، وعاشت هناك عدة أشهر، وقابلت هناك صديقتها – التي شاركتها في الرحلات – البريطانية لوسي رينشو.. وكانت في نفس عمرها تقريباً، وعندها نفس روح المغامرة، وكان أبوها رجلا واسع الثراء، وأيضاً توفي أبواها. وفوراً، وافقت لوسي على صحبة إميليا في رحلات إلى أي مكان في العالم. وقامتا برحلة إلى جبال الألب سوياً على ظهر حمير 8 ساعات كل يوم. وكان سفر النساء في هذا الزمن أمر غير عادي ونادراً. وبعد العودة إلى إنجلترا نشرت إميليا تفاصيل رحلتها في كتاب عام 1873 مما شجع النساء على السفر.
وفي شهر أكتوبر، سافرت إميليا مع لوسي إلى أوروبا وصحبت لوسي.. مرافقة لخدمتها أثناء الرحلة، اسمها جيني لين، وكانت في نفس عمرهما تقريباً. جيني كانت ابنة جنايني. كانت مهتمة بكتابة يوميات الرحلة بدقة، وحفظت المذكرات بنت أخيها – وهي الآن في أرشيف معهد جريفس – وساعدت المذكرات الباحثين كثيراً.. لأنها احتوت على تفاصيل حياة الفتيات الثلاث في مصر.
وأثناء وجودها في جنوب فرنسا، بدأ التفكير والتحضير للسفر إلى مصر. وسافر الثلاثة إلى ميناء برينديزي في إيطاليا؛ حيث استقللن مركباً بخاريا صغيرا متجهاً إلى الإسكندرية، وكان الموج مرتفعا والرحلة صعبة، استمرت ثلاث ليال. وتوقف المركب 48 ساعة – قبل نزول الركاب في الإسكندرية – للحجر الصحي. وخلال هذه الفترة، تعرفت إميليا على العديد من الركاب، منهم ماريان.. المصورة والرحالة وسيدة الأعمال الثرية، التي تركت مذكرات قيمة عن رحلتها إلى مصر في متحف ماكلسفيلد.
قامت الفتيات الثلاث – بقيادة إميليا – بجولة في الإسكندرية. وكتبت جيني في مذكراتها.. أنهن شاهدن – خلال هذه الجولة -مسلتين؛ إحداهما واقفة والأخرى راقدة على الأرض. والآن إحدى المسلتين في لندن، والأخرى في نيويورك. واتفقن -في الإسكندرية – مع المرشد إلياس التلحمي، على أن يصحبهن طوال الرحلة، ويقوم بتأجير الدهبية.. التي سوف يسافرن بها من القاهرة إلى الأقصر ذهاباً وإياباً. وقد استعنّ بكتب السياحة – الصادرة في لندن – عن مصر.. لتدبير أحوالهن.
عند وصولهن إلى القاهرة بالقطار من الإسكندرية، اتجهن إلى فندق شبرد القديم.. في وسط المدينة، وكان قد تم تجديده بعد حريق قبل ذلك. ونظم إلياس نقل الشنط من المحطة إلى الفندق. وتحركت الثلاث فتيات في القاهرة لمدة أسبوعين.. لشراء مستلزمات كثيرة من الأكل والشاي والقهوة وغيرها، وكذلك قمن بزيارة الهرم وأبو الهول مرتين، وتسلقن الهرم.. حتى وصلن إلى القمة، وسعدن بركوب حنطور في شارع شبرا الفاخر العريض، حيث الأشجار الباسقة على الجانبين – من محطة مصر إلى قصر الخديو – وزرن الأحياء الشعبية ووصفن ملابس المصريين والمصريات، وشكل الشوارع والناس بدقة. واستقروا على إيجار دهبية اسمها فيلة.. طوال الفترة. في هذا الوقت، كانت شركة توماس كوك تنظم رحلات بالقطار إلى الأقصر، وأصبح من يستخدمون الدهبية أقلية.
في يوم 13 ديسمبر عام 1873، تحركت الدهبية في النيل وكانت تسير ضد التيار، وتعتمد على الرياح وسرعتها، وكانت قصة هذه الرحلة – كما تقول المؤلفة – أنها من أشهر الرحلات فيالتاريخ، وربما أشهرها، وأكثرها دقة.. في الوصف. وكانت أول وقفة في البدرشين؛ حيث شاهدن تمثال رمسيس في ميت رهينة، وهرم سقارة، وآثار سقارة، واستمرت الرحلة لتتوقف في بني حسن في المنيا، ودندرة وأبيدوس والأقصر، وإدفو وأسوان وأبوسمبل.
قامت المجموعة بشراء عدد كبير من آثار مصر القديمة.. وكان ذلك مسموحاً آنذاك، وسمعوا إشاعات أن هناك مومياء تباع في الأقصر.. اشترتها السيدة الثرية – التي تعرفن عليها في البحر – وكان ذلك ممنوعاً.
كانت إميليا هي الوحيدة من الثلاث فتيات.. المهتمة بدراسة مصر القديمة، وقامت برسم كل شيء، وكتابة معلومات دقيقة.. بجانب مشترياتها من الآثار، التي تم تعبئتها في صناديق كثيرة. وكانت إميليا تخطط لنشر كتاب عن الرحلة، وعن تاريخ مصر، والآثار التي يتحتم زيارتها. بالإضافة إلى ذكرياتها، ومشروع لحماية الآثار، ونشرت كتابها «ألف ميل عبر نهر النيل».. عام 1877، ونجح نجاحاً ساحقاً. كانت تريد أن يكون الكتاب مدراً لربح كبير، تستطيع به البدء في وديعة للإنفاق على التنقيب عن الآثار.
وبعد محاولات مضنية لعدة سنوات في لندن، ظهر صحفيون وكتاب.. مهتمون بالمساعدة لبدء تجميع الوديعة، التي سوف تنفق في البحث عن الآثار المصرية وترميمها. وتلقت من ميريت باشا – مدير المتحف المصري للآثار – خطاباً يؤيد أفكارها ويشجعها، ولكنه اعترض على اسم الباحث.. الذي اختارته للتنقيب، لأن سمعته كانت سيئة.. فاختارت غيره. وفي16 يونيو 1880، اجتمعت مجموعة من السيادات المهتمات بعلم المصريات في جامعة لندن.. لبحث كيفية تشجيع البحث في الآثار المصرية، واستمرت إميليا في كتابة المقالات في الصحف، وتحفيز الناس على المساهمة. وأخيراً في27 مارس 1882، اجتمع 35 شخصاً – منهم امرأتان.. بينهما إميليا – لتأسيس البعثة المصرية للتنقيب عن الآثار في المتحف البريطاني.
واستمرت إميليا تجمع الأموال، وتشجع الناس على التبرع، وتكتب في الصحف. واشترك بعض المليونيرات الأمريكان في التبرع. وتم الاتفاق مع الشاب «بتري».. ليكون عالم الآثار الذي يرأس البعثة، وأصبح بتري- بعد سنوات طويلة – من أهم علماء الآثار في العالم، وله اكتشافات ضخمة في منطقة سقارة. كانت إميليا على اتصال دائم به، وقابلت كيت برادلي – الثرية التي عملت مساعدة لها لسنوات طويلة – وصحبتها في رحلة لجمع الأموال في الولايات المتحدة 1889 – 1890.. وكانت رحلة ناجحة للبعثة.
خلال هذه السنوات، نشرت إميليا عدة كتب، وألقت محاضرات.. عن الآثار المصرية التي تم اكتشافها، وبالتدريج تدهورت صحة إميليا ورحلت – بعد إصابتها بالتهاب رئوي- عن عمر 62 عاماً – في15أبريل 1892.
كافحت إميليا كثيراً.. لإنشاء قسم أكاديمي لتدريس علم المصريات في جامعة بريطانية، ونجحت أخيراً.. حين أنشأت الجامعة الملكية في لندن، أول قسم للمصريات في بريطانيا. ولسنوات طويلة استمر كتابها: «ألف ميل عبر نهر النيل».. أهم الكتب السياحية والعلمية وأكثرها مبيعاً. هذه المجموعة من السيدات – بقيادة إميليا – أثبتت أن المرأة قادرة على السفر والبحث والإنشاء.. في ظروف صعبة، وكان لها فضل عظيم على علم الآثار المصري.
قوم يا مصري.. مصر دايماً بتناديك.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة