Times of Egypt

سير ووجوه وأوجه… (4) أيامه: عقود مصرية ساخنة

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص..
(1)
«من هامش النص السياسي إلى متنه»
سيرتنا الذاتية الثالثة.. هي سيرة السياسي الأستاذ «جمال أسعد عبدالملاك» (78 عاماً) المعنونة: «أيامي: شاهد على خمسة عصور»؛ تعكس سيرة الرجل الذي عاصر تاريخ مصر السياسي.. واعياً – منذ خمسينيات القرن الماضي، وحتى يومنا هذا – قصة «حلم» يبدو مستحيلاً بكل المقاييس ـ كما يقول السارد في مقدمة «منصة الحكي» ـ نظراً لأن «حياته وانتماءه الطبقي وقدرته المالية، ونسبه إلى الأقلية العددية المسيحية، لا تخول له الحلم بالوصول إلى عضوية البرلمان».. وهو ما صاغه بطريقة أخرى في مكان آخر من السيرة/ المذكرات كما يلي: «… هنا لم تقترب أحلامي في هذه السن من مثل هذه المواقع (يقصد عضوية البرلمان، وذلك عندما شاهد انتخابات مجلس الأمة عامَي 1957 و1962)،وإن كانت ميزة الأحلام.. التحليق بك في مناخ لا تكون قادراً على تحقيقه. نعم حلمت، ولكن لم تقترب أحلامي من موقع نائب الشعب، لأنني لا أمتلك مالاً أو رجالاً أو عصبة…. إلخ».
ولكن الحلم تحقق لاحقاً، فانتقل الحالم/السارد – عن جدارة – من هامش النص السياسي إلى متنه، مبكراً من خلال التنظيمات السياسية ليوليو: الثورة. ومن ثم أصبح «جمال أسعد»، «في قلب الصورة»..على عكس والده – الذي وُلد مع ثورة 1919 – «ولكنه من الناحية الطبقية.. لم تكن له علاقة بالسياسة والأحزاب»، وعليه.. بقي «خارج الكادر وخارج الصورة»، إلى أن قامت ثورة يوليو 1952… لماذا؟
(2)
«عقدا الحلم ــ التحقُّق»
يجيب «جمال أسعد» بأنه وأسرته «اعتبروا ما قبل الثورة ليس عهدهم، وكانت الثورة لهم.. الأمل وتحقيق الطموح وإثبات الذات». فلقد أعطتهم الثورة «وعداً بأنها لهم، وتمثل زمنهم». لذا يسرد لنا السارد تفاصيل كل من عقدي الخمسينيات والستينيات، وما أطلق عليه «فضل يوليو»، و«الحالة الوطنية»..التي عاشها الوطن عقب العدوان الثلاثي، إضافة إلى «النقلات النوعية» (نقلة نوعية.. كلمة مفتاحية، دأب السارد على تكرارها في سيرته)، التي ترتبت عليها تحولات؛ سواء في حياة صاحب السيرة خاصة أو في حياة مصر عامة.
في هذا الإطار، كان الأستاذ «جمال أسعد»..حريصاً علي رسم صورة تفصيلية لكل من حال الريف المصري، والمدينة، ومصر قبل 1952،وما بعدها.. حتى يمكن لقارئ السيرة إدراك «النقلات النوعية»،التي عاشها الوطن، وانعكست على مسار «أسعد».
لذا، نجد السارد يفصل كثيراً.. حصاد الخمسينيات والستينيات؛ فيتطرق إلى: كيف كان «المناخ في المدرسة.. متوافقاً مع المناخ السياسي العام»، وإلى النظامين الزراعي والتعاوني، والفن والأدب، وعملية التثقيف السياسي، والحرص على حضور الشباب، وإتاحة فرصة للعب أدوار متنوعة، وتحديث الريف «بالمستشفى المركزي ورعاية الطفل والساحة الشبابية»، ودوري مراكز الشباب وقصور الثقافة… إلخ. ما أتاح – في المحصلة – «نقلات نوعية في المستوى الاجتماعي والثقافي». حتي بعد الهزيمة، اندفع «جمال أسعد» وجيله..إلى مزيد من الإصرار على المشاركة، فكان أن فاز في انتخابات الاتحاد الاشتراكي للقوصية نهاية الستينيات. وانخرط يخدم المهجَّرين من مدن القناة، بالإضافة إلى النشاط المسرحي.
هكذا كان حاله..«يصارع بين واقع أليم معاش، وبين أمل لا نملك غير تحقيقه»؛ حسب ما أورد في سيرته، من أجل الحرب وتحرير الأرض. في هذا السياق، غاب «ناصر»..وجاء السادات، وقامت حرب أكتوبر، وبدأ الانفتاح «السداح مداح»، وحلت المنابر السياسية؛ فالأحزاب محل الاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب. ما يعني نقلة نوعية جديدة، دفعت «جمال أسعد» إلى الانخراط في حزب التجمع اليساري. وفي عام 1978،ترشح صاحب السيرة لعضوية اللجنة النقابية للعاملين ببنك التنمية الزراعية. هكذا عاش «جمال أسعد» أيامه.. في الخمسينيات والستينيات، التي يمكن أن نطلق عليهما عقدي: «الحلم ــ التحقق».
(3)
«عقود الكشف ــ التأزم»
عاش «جمال أسعد» أياماً جديدة.. شهدت تحولاً من النقيض للنقيض. فمع مطلع الثمانينات أطلت الفتنة الدينية برأسها..«وهنا تكهربت الأجواء، وعاشت مصر كلها أجواءً طائفية غير مسبوقة وبامتياز»، حيث انتهت بما عُرف باعتقالات سبتمبر، فكان «أسعد» واحداً ممن اعتُقلوا. مثَّلت تجربة المعتقل – بما تضمَّنته من وقائع، فصَّلها الرجل – نقلة نوعية «في مسار حياته السياسية» من جهة. ومن جهة أخرى، بدأ ما يمكن أن نطلق عليه: «عقود الكشف/التأزم»؛ التي شهدت الكثير من الاكتشافات والاصطدامات.. في ذات الوقت. اكتشافات لشخصيات (داخل مصر وخارجها) وأحزاب وبلدان… إلخ، واصطدامات حزبية وكنسية وسياسية… إلخ.
أوضحت الاكتشافات والاصطدامات – في مجملها – الكثير من حقائق/خفايا الحياة الحزبية والسياسية والانتخابية في مصر (للسارد تجربة حزبية عريضة في التجمع والعمل الاشتراكي/الإخواني، والعمل المنشق، كذلك تجربة انتخابية ثرية.. على قوائم التجمع ثم العمل الاشتراكي.. في 1987،التي نجح فيها بالحصول على مقعد نيابي.. بالرغم من الكثير من الملابسات)، والتحالفات الهشة، والتحكمات السلطوية/البيروقراطية الحزبية والسياسية، ولعبة الانشقاقات الحزبية، وسيادة التصنيفية الطائفية في تلك العقود، ولعبة التمويلات… إلخ.
وبعد، سيرة الأستاذ «جمال أسعد»..تقدم سردية عن عقود سياسية ساخنة مرت بمصر، عايش صاحبها تحولاتها المتعاقبة.. محاولاً إحداث فارق في الواقع.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة