محمد أبوالغار
كتاب بقلم جيرميا لنش.. عن رحلته إلى مصر التي استمرت عاماً. الكتاب صدر بالإنجليزية بعنوان «الاسكتشات المصرية»، وتبرعت جامعة ستانفورد بنشره مجاناً على الانترنت، وترجمه إلى العربية سمير محفوظ بشير، وأصدرته دار العربي للنشر والترجمة. وُلد المؤلف في شرق الولايات المتحدة، ودخل عالم السياسة عام 1882، وأصبح سيناتورا، ورئيساً للبورصة، وكتب عدداً من الكتب عن رحلاته. وغادر إلى مصر عام 1889، وعاش بها عاماً، حيث استأجر بيتاً في العباسية.. به حديقة بها نافورة صغيرة. البيت من دور واحد، وبه مياه جارية ولكنها تأتي من النيل مباشرة، ولذا بها طين. وتُستخدم في الاستحمام فقط. أما مياه الشرب فتُملأ عددٌ من الأزيار الفخارية بالماء، ويتم تصفيته من الطين والشوائب. وعنده طباخ واثنان من الخدم.
تحدث كثيراً عن الخديو إسماعيل.. والفخفخة التي عاش فيها، وكم البذخ وصرف الأموال.. بعضها على إنشاءات، وبعضها على حفلات وسفريات، وهدايا للباب العالي. ويقول إن الخديو توفيق – ابنه الأكبر – كان رجلا هادئا ومهذبا، ويعيب عليه.. أنه لم يقف أمام عرابي عندما ثار.
القنصل الأمريكي شويلر كان ضخماً، وقد دعا جيرميا.. أن يكون ضمن الوفد الذي سوف يذهب لمقابلة الخديو، وذلك في عربتين ملكيتين، ويصف دخولهما القصر الملكي، والمدفعية التي أطلقت 21 طلقة، واستقبلهم الخديو في قاعة فاخرة، ومعه عدد من الوزراء، والحوائط كانت مغطاة بسجاجيد فارسية فاخرة.
ويصف الخدم.. حاملين عدداً من الشيش المصنوعة من خشب الصندل، مليئة بالدخان المعطر، وطول الأنبوبة أكثر من متر ونصف، وقام الجميع بالتدخين. ثم انصرفنا مصحوبين بعرض عسكري آخر. وقدم الخديو هدايا قيمة للقنصل الأمريكي. ويقول جيرميا إن الكونجرس كان قد سن قانوناً.. بأن جميع الهدايا التي تصل إلى الدبلوماسيين الأمريكان تسلم إلى الحكومة الأمريكية. ثم يعلق بأن البعض أخذ الهدايا لنفسه.
ينتقل جيرميا إلى وصف القاهرة القديمة.. التي كان يزورها، ويصف الحواري والأزقة الضيقة، والبائعين داخل المحلات الصغيرة، التي يجلس البائع فيها على الأرض، والبضائع منثورة في كل مكان.. بدون نظام. ويصف عربات الكارو.. التي تحمل النساء محشورات، وهن يلبسن البرقع واليشمك، فكل أجسادهن مغطاة. ويصف صعوبة الحركة في الأزقة الضيقة، وكمية القذارة. ويقول إن هناك عدداً كبيراً من المقاهي، بعضها يقدم القهوة والسجائر والشيشة والكونياك، والبعض الآخر مخصص لتقديم الحشيش. ويصف أسواق الفاكهة والخضروات، ويقول إن البضاعة جيدة، ورخيصة الثمن.
في يوم عاشوراء ذهب ليشاهد المنظر الرهيب، حيث يقوم الرجال باستخدام السيوف والسكاكين في شق جلودهم، ويتحركون والدماء تسيل من أجسادهم. ويحكي حكاية الحسن والحسين، والشيعة والسنة، والخلاف التاريخي، والمعارك الدموية التي صحبته. وقارن ذلك بما حدث في الحروب الدامية بين الكاثوليك والبروتستانت.
وتحدَّث عن تاريخ غزو مصر.. بجيش عمرو بن العاص – الذي قدره بأربعة آلاف جندي – في القرن السابع الميلادي. وقال إن غزو مصر في عام 1882، كان بجيش بريطاني.. مكون من ثلاثة آلاف جندي فقط، واستغرب من أن هذه الأعداد القليلة من الجنود، استطاعت السيطرة على مصر.. في القرن السابع، والقرن التاسع عشر.
شاهد في القاهرة القديمة.. مسيرة المحمل، تسير في شوارع القاهرة.. حاملة كسوة الكعبة، ويقوم الناس بتحيتها، والتبرك بها.. قبل أن تسافر إلى مكة.
وعن القاهرة الخديوية – التي خطط لها المهندس هاوسمان – يقول إن شوارعها عريضة ونظيفة، والبيوت حديثة، والمدينة مضاءة بالغاز.. الذي يمر في الأنابيب للبيوت، وقال إن معظم سكانها من الأوروبيين واليهود، والكثير منهم أغنياء، وأنهم يتزوجون من بعضهم، وأن السيدات من اليهود يلبسن «الحبرة»، وهي عباية سوداء.. تغطي المرأة من الرأس إلى القدمين.
ثم تحدَّث عن الرهبان والأقباط، والنساك في الأديرة الصحراوية، وتحدث عن الأقباط في القاهرة، وأنك لا تستطيع تمييز المسلمين من الأقباط، فهم يرتدون نفس الملابس، ويلبسون الطربوش.
يتحدث – بالتفصيل – عن زيارته للأهرامات، وممفيس (ميت رهينة)، وكان الفيضان يصل إلى أسفل الأهرامات، ومشاكل الزيارة من القبيلة – التي يتواجد أهلها في المنطقة – ويضايقون السياح، ويتقاضون منهم أموالاً، ويضايقون الزوار ويسرقونهم.
وكان بصحبته شاب مصري وفتاة يهودية، وقد قاموا بتسلق الأهرامات – وكان ذلك صعباً بسبب مضايقة البدو – ودخلوا الهرم، وشاهدوا حجرة الدفن. تحدَّث كثيراً عن تاريخ اكتشاف اللغة الهيروغليفية، وكتاب الموتى، وطرق التحنيط.
وحضر حفل زفاف، كانت موسيقى الجيش النحاسية.. هي التي تعزف الموسيقى، وكان الأكل كثيراً ومتنوعاً، وزجاجات الخمر تملأ المكان، وحضر العريس – وعمره 22 عاماً – مع أصدقائه العاشرة مساء، وتنقلوا بين ثلاثة بيوت.. لتحية الأصدقاء، والفرح كله من الرجال، أما السيدات فكن في الدور العلوي، وأخيراً حضرت العروس.. على ظهر جمل، داخل هودج، وطبعاً.. العروسان لم يتقابلا من قبل.
وأثناء زيارة أمير ويلز للقاهرة، شاهدت الاحتفال بالعرض العسكري للجيش البريطاني والجيش المصري.. في حضور الخديو. وكان شيئاً غريباً أن ينزل أمير ويلز ليتفقد العرض العسكري، وكان من المفروض أن يقوم بذلك الخديو.
ويعترض جيرميا.. على أن وظائف الدولة المصرية أصبحت معظمها للإنجليز، وتضاءل وجود المصريين.
ثم يعترض على المحاكم القنصلية، والمحاكم المختلطة.. التي تمنع تساوي المصريين والأجانب في نفس نظام العدالة، وتؤدي إلى هروب الأجانب.. إذا ارتكبوا جرائم، ولم يحاسبوا عليها.
وتحدَّث عن شاب أمريكي اسمه كارلتون، كان يعيش في القاهرة.. في منطقة شعبية، في بيت به حديقة رائعة، و12 حجرة، وعنده ثلاثة من الخدم، وقد قام يدعو جيرميا و11 ضيفاً لمشاهدة رقص الغوازي في البيت. وسأل أحدهم كارلتون.. إذا كنت تقيم في القاهرة، فلماذا لا تتزوج، وتطلق الزوجة.. قبل سفرك. وفعلاً أقنعه بالزواج من فتاة، ولكنه أصر أن يراها قبل الزواج. وبعد الزواج، انتقلت الزوجة – وأختها وأمها – للعيش في البيت الكبير. وبعد فترة، اقترحت الزوجة على كارلتون.. أن يتزوج أيضاً أختها، وعندما يعود إلى أمريكا.. يأخذ الأم والزوجتين، ولم يوافق كارلتون.
وفي شهر ديسمبر، قام جيرميا – بالاشتراك مع القنصل – بزيارة رسمية إلى الصعيد، واستأجروا دهبية تحمل 15 بحاراً، وصلت الدهبية إلى بني سويف، ثم المنيا.. حيث زاروا بني حسن، ثم أسيوط وأبيدوس في سوهاج، وقنا، وأخيراً.. الأقصر. في كل من هذه المحافظات، كان في انتظارهم وكيل القنصل الأمريكي، وكانوا جميعاً واسعي الثراء، وكلهم من الأقباط.. باستثناء وكيل القنصل في الأقصر.. الذي كان مسلماً، وقد أقاموا جميعاً دعوة للغداء أو العشاء الفاخر، وأرسلوا إلى المركب أكلاً كثيراً. شاهد جيرميا آثار مصر العظيمة، ووصفها بدقة. وعندما عاد إلى القاهرة، مكث في فندق شبرد فترة.. حتى عاد إلى أمريكا.
كتاب شيق وغريب، مصر فعلاً بلد الغرائب.
قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك
نقلاً عن «المصري اليوم«