Times of Egypt

ظاهرة «الشهابية» بين الردع والإصلاح

M.Adam
عادل نعمان  

عادل نعمان

اسمحوا لي أن أُسمّي وألقِّب هذه البلطجة، وهذا الترويع، واستخدام السلاح الأبيض والسنج..
بالظاهرة «الشهابية».. نسبةً إلى شهاب؛ ذلك الشاب المغضوب عليه.. «قاطن إمبابة»، الذي
أصبح الحديث عنه مستمراً ومتواصلاً، وتسبَّب مقطع فيديو في القبض عليه، حين هدَّد صاحب
سيارة في الطريق العام.. بلغة المطاريد، وهو ينطبق عليه قولهم (المفتري والمفترَى عليه)؛ نعم
هو مفترٍ، ويستحق التأديب والتهذيب.. والردع له ولأمثاله. وهو مفترَى عليه؛ هو ضحية مجتمع
وأسرة.. لم يُحسنوا تربيته وتعليمه وإصلاحه، وتكتظ شوارعنا بأمثاله، وأظن أن عمر شهاب من
عمر الثورة، وكان هو وأمثاله أولى بالرعاية والترويض.
والحديث المتواصل، والمتواتر.. عن شهاب، أراه «فئوياً» بامتياز، يتناوله الناس على درجتين
ومنزلتين متناقضتين؛ فهناك فئة ترى أن الردع لهؤلاء.. هو الحل الأمثل لاستقرار وتأمين
الشارع، من هؤلاء البلطجية.. الذين يمثلون ظاهرةً خطيرةً، أصبحت تهدد أمن واستقرار
الشارع. وهذه الظاهرة «الشهابية».. لم يعد من الحكمة السكوت عنها، أو إهمالها، وتخطيها؛ فهي
تمثل ظاهرةً سلوكيةً.. وضعتنا جميعاً في مأزق، بل إن هذه الوقائع تمثل خطراً على السياحة؛
حين تنتشر هذه الفيديوهات على السوشيال ميديا، ويراها الناس، ويستثمرها المتربصون.
ولهؤلاء كل الحق.. في أن يتحركوا، ويتنقلوا في الشوارع.. في أمان وطمأنينة.
وهناك المتعاطفون مع شهاب.. من البسطاء، ولهم بعض الحق؛ وترى أن شهاب – وغيره –
ضحية أسرة جاءت به إلى الدنيا.. دون مقومات معقولة ومقبولة للحياة، وفرطت في حقه الطبيعي
في التعليم والصحة والغذاء. وضحية التهاون والتكاسل في تنظيم هذه الأسر؛ حين تم التغافل
وإدارة الظهر.. لهذه الأسر البسيطة، والتخلي عن ممارسة الدور في ضبط الإنجاب، وتحديد نسل
هؤلاء، بل عدم تحمل المسؤولية الدستورية تجاههم. والأدهى، أن تم التسليم طوعاً إلى المشايخ..
الذين أفسدوا حياتنا؛ حين أطلقوا لأنفسهم العنان، وحرَّضوا وحفَّزوا الناس على كثرة الإنجاب؛
اعتماداً على أن الله يرزق هؤلاء المتكاسلين، كما يرزق الدودة في بطن الحجر. واعتمدوا حديثاً
ضعيفاً في هذا الصدد، ولم يقل لنا أحد من هؤلاء: إن الدودة هذه تشق طريقها داخل الحجر –
بصعوبة وجَلَد – حتى تجد ما يسد جوعها.. بعد جهد جهيد.

ولأننا قد أهملنا التعليم، وتسرَّب شهاب وغيره من المدارس.. تحت ضغط الحاجة للبحث عن لقمة
العيش، أو التسيب المعتمد، ومنهم من ينفق على أسر بالكامل.. نتيجة ضيق ذات اليد؛ فإن هذه
الظاهرة تتصاعد وتتفشى، خصوصاً أن العنف والغل.. ملازمان لبعض المهن والحرف، وتتمكن
سلوكياتها وتصرفاتها.. من شهاب وغيره، وتستأثر بهم. وليس على شهاب – في هذا – سوءة، أو
وصمة.. فيما زرعه غيره، كما تتمكن أصول التربية الحديثة «والإتيكيت».. من أولاد الذوات،
وليس لابن الذوات فضل، أو معروف.. فيما حصد.
وتعالَ معي.. إلى كارثة الكوارث التي تغافلنا عنها؛ وهي صور البلطجة والعنف.. التي تعج بها
الأفلام والتمثيليات، وتصورهما.. نموذجاً مقبولاً ومعتبراً، بل وتعتمدها أداةً لاسترداد الحقوق
وليس القانون. وليس هذا فقط، بل إن ظاهرة التعاطف مع المجرم والبلطجي، واعتباره قدوةً
يُحتذى بها.. هي كارثة الكوارث. واسألوا شهاب عن قدوته، ونموذجه.. الذي ينتسب إليه، ستجده
بلطجياً من الذين تعج بهم الشاشات.. جهاراً نهاراً، تحت سمع وبصر الجميع، دون إدراك أو
رصد.. لتداعيات هذا المنتج الخبيث، ومآلاته المنتظرة والمتوقعة، وأثر هذه الأفلام والمسلسلات

  • التي نراها الآن أمام أعيننا – على النشء، فقد دمروا شبابنا، وجعلوا البلطجة نموذجاً يُحتذى به،
    ومدرسةً تقبل طلابها.. دون مجهود أو درجات. وللأسف، جنى هؤلاء المتآمرون على الفن..
    الملايين، وكان الثمن.. «شهاب» وغيره، من الذين يملأون شوارعنا، ونحتاط منهم، ويملؤنا
    الخوف والفزع على أولادنا منهم.
    حاسبوا شهاب، أو ارموه في اليم.. حتى يخلو لنا الشارع. أو اقتلوه.. أو احبسوه، فلست متعاطفاً
    مع من يخرج على القانون، أو يروِّع الناس. إلا أن الأمر كله.. وبرمته، يحتاج إلى إعادة نظر..
    في التعليم والصحة، ورفع مستوى المعيشة، ومحاربة كل أشكال الفقر.. قبل بناء الطرق
    والكباري، وسد العجز الذي يرهق الملايين، ويضعف قدرتهم على تلبية متطلبات الحياة
    الأساسية.. من مأكل ومشرب؛ حتى تمكن الغلاء من رقاب الناس؛ يطحن الأسر، ويعريهم أمام
    أبنائهم، ويكشف سترهم.
    فما فائدة كل البناءات، إذا كان شهاب – وأمثاله – نتاج تلك المرحلة، أو نموذجاً على الساحة..
    يطفح في هذه «الجمهورية الجديدة»؛ التي يجب أن تبدأ من بناء إنسان جديد.. قادر على البناء،
    مؤمن بالوطن، ينتمي إليه، يحبه ويقدسه، ويقدره حق قدره، ويرى فيه الحضن، ولقمة العيش
    والكرامة.

حاكموا شهاب، وحاكموا تاريخكم كله، وتقصيركم في حق المواطن، وراجعوا مشايخكم.. فيما
صنعوا بالناس؛ من تضليل وتزييف وإفساد، حاكموه – وأنا أول المؤيدين لمحاكمته – وتنفيذ
القانون.. رغماً عنه، وعن أحوال أهله.. وحتى المتضامنين معه، ليكون عبرةً.. لكل الشهابيين
أمثاله. وفي نفس الوقت.. علموه، وأدبوه، وربوه.. هو وكل من على شاكلته، وهم كثر.
(الدولة المدنية هي الحل(
نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة