Times of Egypt

عشاء مع الملك «توت»

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام 

يوماً بعد يوم، يتأكد علماء الآثار.. أن حضارات العالم القديم شيء، والحضارة الفرعونية شيء آخر تماماً. 

يمكن للصين الادعاء أنها تمثل أقدم حضارة مستمرة، بعد أن تعرَّضت الحضارة المصرية لفترات انقطاع طويلة. ويمكن لبعض باحثي الآثار، أن يتحدثوا عن اكتشاف أهرامات في هذه الدولة أو تلك.. أقدم من أهرامات مصر، إلا أن الذي لا يجادل فيه علماء الآثار.. أن الحضارة الفرعونية، هي التطور الأسمى الذي وصل إليه العالم القديم. وأنها كانت – وما زالت – دُرة التاج. ملوكها وفراعينها.. هم الملوك بحق، ومعالمها وإنجازاتها.. تتفوق بسنوات ضوئية على بقية حضارات زمنها وما بعدها.

تختلف مدارس علم الآثار.. في التعامل مع الحضارات القديمة. هناك المدرسة التقليدية؛ التي تحاول رسم ملامح الماضي؛ من خلال التعرف على المواقع الأثرية ودراستها، والتدقيق في مضمونها، والسعي للحصول على الوثائق والأدلة.. التي تقربنا أكثر من تلك الحضارات. وهناك الباحثون «التجريبيون»؛ الذين يعتقدون أنه لا يمكن فهم تفاصيل الحياة في العصور القديمة.. من خلال الكتب والمواقع فقط. لابد من تذوق نكهة الماضي، وتخيل أصوات وروائح ومذاقات.. الذين عاشوا فيه. 

حضارات الماضي جاءتنا صامتة، فلماذا لا نحاول جعلها تنطق وتتنفس وتتعطر. لن يتم ذلك – كما يقول الباحثون التجريبيون – إلا من خلال تصنيع أدوات حجرية.. تماثل المستخدمة قديماً، ودبغ الجلود وحفظ الأسماك وتحويل الدهون إلى زيت.. بنفس الطرق القديمة، أي العيش كما عاش القدماء.

قبل أسابيع، أصدر الكاتب الأمريكي سام كين كتاباً بعنوان: «عشاء مع الملك توت.. كيف يعيد علماء الآثار المارقون خلق مشاهد وأصوات وروائح ونكهات الآثار المفقودة؟». يقول كين: «سواء تعلق الأمر بأهرامات مصر العظيمة، أو معابد المكسيك المهيبة.. لدينا فكرة جيدة عن شكل الماضي. لكن ماذا عن حواسنا الأخرى.. قشرة العجين المخمَّر المصرية المرنة، وصلصة السمك الرومانية، ودوي المدافع في العصور الوسطى؟». 

بعض باحثي علم الآثار.. ابتكروا علماً جديداً، أطلقوا عليه «علم الآثار التجريبي»، انحرفوا فيه عن المدرسة التقليدية. إنهم يصنعون مومياوات بشرية جديدة، ويحققون في جرائم قتل.. حدثت منذ آلاف السنين، ولم يتم كشف ملابساتها. 

ينحتون رماحاً بدائيةً، ويذهبون بها للصيد، ويسلخون الطرائد بنفس الطرق القديمة. 

انضم المؤلف إلى هؤلاء الباحثين، وتابع تجاربهم، بل خضع لدق وشم يدوي.. بنفس الطريقة القديمة، وأطلق المنجنيق، وحاول ممارسة الجراحة القديمة، وشارك في بناء الطرق.. على الطراز الروماني.

خصص «كين» فصلاً مهماً عن الحضارة المصرية؛ حيث لا يزال هناك غموض حول أمور كثيرة.. بينها طريقة بناء الأهرامات. التقى بنجارٍ – من الميسيسيبي – يجري تجارب عن ذلك، ويدَّعي أنه توصل إلى حل محتمل. 

العالم لا يزال منبهراً.. بشأن قدرة المصريين على نقل كتلة صخرية عملاقة، إلى مكان البناء بالجيزة.. بمعدل كتلة كل 5 دقائق، لمدة عشرين عاماً. 

أياً كانت النتائج التي توصل الباحثون الجدد إليها، إلا أنها تُظهر مدى الهوس العالمي.. بمصر وحضارتها. 

المؤلف لم يجد عنواناً جذاباً لكتابه، سوى: «عشاء مع الملك توت».. مع صورة الفرعون الذهبي على الغلاف. 

مصر عظيمة كبيرة خالدة، حتى ولو لم يدرك بعض أبنائها ذلك.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة