أمينة خيري
السرسجة.. التي تعالت الشكاوى منها، ووصلت إلى دراما رمضان، وانقسم الناس فريقين: فريق يقول إن السرسجة أصبحت ظاهرة واضحة، والدراما تنقل من الواقع ولا تبتدعه. وفريق يرى أن تصويرها، والتطرق إليها بإفراط.. يؤدي إلى انتشارها.
على أية حال، المسألة أكبر وأعمق من ذلك بكثير. وكما أشرت في المقال السابق، علاج السرسجة ليس إلقاء القبض على السرسجية، أو منعهم من دخول الأماكن التي يرتادونها، أو تجاهل وجودهم. كما أن علاجها.. ليس بإرسالهم إلى الكتاتيب، التي أعلنت عنها وزارة الأوقاف. ولا بإرسال الأئمة والدعاة إليهم، ولا حتى بعلاجهم عبر مواعظ الكنائس.
العلاج تربية وتنشئة وتعليم.. العلاج اعتراف وإقرار بأن قطاعات عريضة من الصغار والمراهقين – ومنهم من أصبحوا شباباً، وبدأوا يكوِّنون أسراً – سيورثون السرسجة إلى صغارهم.. العلاج إتاحة ممارسة الرياضة على نطاق الجمهورية؛ لكل الأعمار والطبقات، وبالطبع لا نستثني البنات كالعادة. العلاج تمدد وتوسع وتوغل أدوات الثقافة والفن؛ من موسيقى وغناء وتمثيل. وعلى فكرة، هذه الأدوات ذاتها.. هي ما تخضع للشيطنة، والتحريم، والتكريه.. عبر الكثير من رجال الدين، وغيرهم من المصريين.. الذين تجدهم يعبرون عن فكرهم، الذي عشش في أدمغتهم.. على أيدي «علماء»، أفهموهم أن الفن حرام، والموسيقى رجس، والعاملين بها فاسقون ومارقون.
ختمت المقال السابق، بأن المسألة تحتاج علاج جذور، وبدون علاج جذور.. ستستمر الظاهرة في التوحش والتوغل. هؤلاء الصغار والشباب – الذين يملأون الشوارع والنوادي وأماكن التجمعات، وينظر إليهم البعض.. باعتبارهم كائنات فضائية – هم ضحايا إهمال وتجاهل عامين، واستبدال المدرسة بالسنتر، وإلقاء الكثيرين من المعلمين مهمة التربية.. في سلة القمامة.
الحل ليس زيادة جرعة الخطاب الديني المتزمت المنغلق المتشدد. الحل زيادة جرعة التوعية والتنشئة على الأخلاق، كما كانت مصر قبل السبعينيات. ولا أظن أن مصر كانت كافرة، أو أهلها كانوا يعبدون الأصنام أو ينكرون الأديان. كان أهلها على قدر أوفر من الأخلاق، ودرجة أراها أكثر صدقا وأمانة، واتساقاً من التدين.
الصغير أو الصغيرة.. الذي ينشأ في بيت بلا قواعد تنشئة منضبطة ومتوازنة، ويذهب إلى مدرسة منزوعة المكون التربوي، ويتردد على «سنتر» يحشو دماغه بقدر من «المحفوظات»، ولا يهمه ما يفكر فيه الطالب، أو يمارسه خارج حدود السنتر.. وربما داخله، ما دام يتم تحصيل الرسوم. ويقضي هذا الصغير.. وقت فراغه فى الشارع؛ حيث لا مجال لممارسة رياضة، أو اكتشاف وتنمية موهبة، بالإضافة إلى فضاء عام متخم بـ «الفن حرام» و«التمثيل حرام» و«الموسيقى حرام» و«الرياضة للبنات حرام». ومنهم من لا يذهب إلى مدرسة من الأصل، وأصبح طفلاً عاملاً.. حتى يشارك في إعالة إخوته الخمسة أو الستة أو السبعة.
كل بلد في العالم.. فيه سرسجية – بغضِّ النظر عن المسميات – لكن حين تصبح السرسجة أسلوب حياة، وحين تتسلل إلى كافة الفئات والطبقات، وحين يتجاهلها المجتمع.. أو يعتبرها «قضية قلة تدين»، هنا تتحول إلى مصيبة مستدامة.
نقلاً عن «المصري اليوم«