Times of Egypt

عُرس الكِتاب في «المحروسة»!

M.Adam
مودي حكيم  

مودي حكيم..
الحبر نور أسود، كنز سائل على الورق.. والورق حَفَّاظ أفكار، ونجاوى، وآراء، لا يبلى، ولا يعتق، ولو اصفرَّ لونه.
وليس ألذَّ في الشَّمِّ، ولا أضوع، من حبر.. في كتاب خارج من تحت أسنان آلة الطبع، وبين دفتيه ما يُثري المدارك.. من أفكار، ونظريات، وقصص الصَّبابة، والشوق، وحكايات السمر والعتب. وهو حافظ للتراث، ولتواريخ ما حَدَثَ وحَصَلَ. ما استطاعت «التكنولوجيا» الحديثة أن تَحُطَّ من قدر ومقام الكتاب، والبديل الذي قدَّمته للحبر والورق، لم يُبعد الناس عن الكتاب الملوس بالأصابع والعيون. وعندنا الدليل في دور النشر؛ التي لمَّا تزل تنشر، وتطبع، وتوزع، وتجني ثمار النشر والكتب. ومعرض الكتاب هذه السنة في «المحروسة»، يفقأ عين الحسود؛ فهو – كما السنوات التي مضت – يحفل بكل جديد ومتنوع.
هذه السنة، مثل كل سنة، نذكر بتقدير، من فكروا، وأطلقوا، عرس الكتاب، الذي سار ذكره كل مسير في عالم النشر والثقافة، وصناعة الكتب، في العالم العربي، وما بعده، فصار الإقبال عليه يزداد سنة بعد سنة.
نذكر عبد السلام الشريف، صاحب الريشة واللون والإبداع في الفن التشكيلي، الذي أطلق الفكرة، ونمَّاها بدأبه، وإصراره، فتلقفها كبير من عندنا، كان ثروة للثقافة، واسمه على مسمى ثروت عكاشة، الذي عكف على وضع خطة لبلورة الفكرة، وأوكل إلى الدكتورة سهير القلماوي، التي كانت على رأس «المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر» (صار اسمها «هيئة الكتاب»)، فما كان منها إلاَّ أن أرسلت مستشارها إسلام شلبي إلى «لايبزيج» – في ولاية «ساكسونيا»، شرق ألمانيا – التي تُعد إلى جانب «فرانكفورت» من أهم مراكز طباعة الكتب في العالم، فوقف إسلام شلبي فيها.. من الناشرين، والمنظمين لمعارض الكتب، يرى كيف يعدون وينظمون معارضهم، وحمل معه الأفكار، ورتبها في دراسة، وضعها بين يدي الدكتورة سهير القلماوي.
على مدى أسابيع طويلة كان التداول، والمراجعة، والمناقشة، حتى رأى «معرض القاهرة الدولي للكتاب» النور سنة 1967. ومثلما نجح إسلام شلبي في «لايبزيج»، نجح في بيروت، عندما طلبت الدكتورة سهير القلماوي منه تأسيس فرع للهيئة العامة للكتاب في العاصمة اللبنانية – التي كانت ولما تزل «مطبعة العرب» – وطبع التراث الأدبي المصري. وكان أن طلب مني إسلام شلبي.. معاونته على إدارة الفرع، وتولي المهام التنفيذية فيه، فعملنا ونجحنا في بيروت.
■ ■ ■
يطيب ذكر الدكتورة سهير القلماوي، فلولاها لما كان لنا.. في المحروسة، كل سنة «عرس» للكتاب، ننتظره كل سنة، وتتهافت دور النشر لعرض نتاجها فيه.
سهير القلماوي من خيرة نساء عصرها وزمانها، أدباً، وثقافة، ومن أكثرهن خدمة، وعملاً، وتفانياً لنهضة المرأة المصرية. سليلة بيت علم، وفضل، وثقافة. نهلت من مكتبة والدها العامرة بكتب التراث، والأدب، والشعر، والفكر. كانت بعد فتاة يانعة عندما قامت ثورة 1919، فترعرعت البنت سهير، وسط تأثير سيدات مصر، في تلك الحقبة، منهم هدى شعراوي، و«أم المصريين» صفية زغلول.
كرَّست نفسها للعلم، منذ حداثتها، فعملت كل حياتها مستنزلة وَحْيَهُ البعيد، فإذا بها تختزن منه عتاداً من بيان أنيق، عذب، وثقافة، وأدب، وتاريخ، قلَّ أن اجتمع مثله في امرأة. سنة 1928 تخرجت في «الكلية الأمريكية للبنات»، تمنت أن تدرس الطب كوالدها – في كليه الطب في «جامعة القاهرة» – إلا أنها لم توفق في دخولها. فشجعها أبوها على التخصص في الأدب العربي.. عوضاً عن الطب والطبابة. امتثلت، ودخلت كلية الآداب، فكانت أول «شابة»..بين أربعين شاباً في الكلية.
لمس الدكتور طه حسين – رئيس قسم اللغة العربية ورئيس تحرير مجلة «جامعة القاهرة» – منها موهبة، ليس في التحصيل، والفهم، والاستيعاب.. فقط، إنما في الكتابة أيضاً، فأخذ بيدها، وأرشدها، وجعلها مساعدة له في رئاسة تحرير المجلة، فتتلمذت عليه، وكانت أول مصرية تحصل على ما يسمى – في ذاك الوقت -«رخصة صحافة»، حصلت على الماجستير في الأدب، وبدأ تحضير أطروحة الدكتوراه، فنالت منحة.. سمحت لها بإتمام أبحاثها، ومراجعها، في باريس. سنة 1941 نوقشت أطروحتها، لتصبح أول امرأة تحصل على الدكتوراه في «جامعة القاهرة».
وراحت تشق طريقها لتصبح سنة 1958 رئيسة قسم اللغة العربية حتى سنة 1967.
تنكبت المسؤوليات والمناصب:
رئيسة «الاتحاد النسوي» المصري (1959)؛ رئيسة خريجات جامعة المرأة العربية، حيث أسست التعاون بين «الاتحاد المصري» والاتحاد العالمي للجامعات؛ رئيسة «الهيئة العامة المصرية للسينما والمسرح والموسيقى» (1967)؛ رئيسة «مجتمع ثقافة الطفل» (1968)؛ رئيسة «المؤتمر الدولي للمرأة» (1960)؛ رئيسة أول اجتماع للفنون الشعبية. وانتهى بها المطاف إلى مجلس الشعب في الدورات الانتخابية 1958 و1979 و1984.
■ ■ ■
سهير القلماوي.. من أغزر الكاتبات عندنا مادة، رقيقة الشعور، قوية المخيلة، لبقة الإنشاء، إنسانية الروح، وطنية النزعة، قومية المطالب، كانت معلمة، ومرشدة، وهادية، بثقافتها التي لا تبرج فيها، وعلمها الواسع، ووطنيتها الواعية البصيرة والمتبصرة.
مع بداية العقد الثالث من هذا القرن، صدر كتاب بالإنجليزية يحمل عنوان: «السيدات الرائدات من مصر القديمة والشرق الأوسط» Female Pioneers from Ancient Egypt and theME عن أكثر السيدات تأثيراً في مجتمعهن.. وعلى مستوى الشرق الأوسط؛ بدءاً من الحضارة المصرية القديمة، وحتى هذه اللحظة الراهنة. شارك في تأليفه مجموعة من الكتاب والباحثين من جنسيات مختلفة.
في الفصل السابع منه بعنوان: «سهير القلماوي: أيقونة تعليمية مصرية رسمت صورة النهضة الثقافية العربية على مر القرن العشرين»، يصفها الكتاب بأنها: رائدة تشكيل الوعي الثقافي كأكثر الشخصيات النسائية تأثيراً في المجتمعين المصري والعربي؛ مركزين على فكرة إقامة «معرض القاهرة الدولي للكتاب». وفضل الباحثة العنيدة المجتهدة جداً.. في رسالتها للحصول على درجة الدكتوراه، لتصحيح أوضاع رؤية العالم أجمع إلى الموروث الشعبي لكتاب «ألف ليلة وليلة»، بعدما كان مجرد حكايات للتسلية العذبة والفجة.. عند الجميع.
■ ■ ■
يتجدد عرس الكتاب، في «المحروسة»،ومعه تتجدد الذكرى، ذكرى الأربعة: عبدالسلام الشريف، ثروت عكاشة، إسلام شلبي، سهير القلماوي، رحم الله أرواحهم، الذين لولاهم، لما كان لنا ذلك العرس وتلك البهجة.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة