Times of Egypt

غطرسة القوة

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص

تؤثر تقارير الحروب في العصر الرقمي – حسب المرجع المعتبر علم الاجتماع الرقمي – التي يتم تداولها وبثها عبر الإعلام المرئي، ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة.. بواسطة إعلاميين محترفين، إضافة إلى ما بات يُعرف بإعلام المواطن، على ردود أفعالنا تعاطفاً أو سخطاً أو شعوراً بالتعاطف/الإثارة أو استحساناً كمشاهدين ومتابعين. ومن ثم تشكيل تصوراتنا وبلورة مواقفنا وتحيزاتنا حيال ما نتابع من تقارير.

وبقدر ما يوجه الحدث/الحرب، المتابعين.. إلى الاهتمام بتطورات الكر والفر بين المتحاربين، بسبب التدفق المتسارع للروايات الإخبارية والصور.. من قلب أتون الحرب الدائرة، الذي يكاد يرتقي – بحسب مؤلف كتاب علم الاجتماع الرقمي – لأن يكون بمثابة سيل جارف.. بقدر ما يتعطل – إلى حد كبير – التفكير في أسباب الحرب، وفهم مسار العلاقة التاريخية بين المتحاربين، وأثر الحرب على محيطها الإقليمي وعلى النظام الدولي، وقبل ذلك.. على داخل كل من الدول المتحاربة؛ ما يدفع نحو اختصار تفسير ما نرى في أضيق مدى ممكن. بلغة أخرى، تؤدي الأحداث المتسارعة.. المصورة والمبثوثة في وقت حدوثها، إلى بلورة ردود فعل آنية حيال ما يجري. وربما يستوي في هذا المشاهد.. المتلقي العادي، والمراقب المحترف. وعليه تتكون آراء مختزلة فاقدة للرؤية الشاملة.. حول ما يجري، تحكمها التحيزات والمشاعر والمصالح الضيقة والأحكام المسبقة.

في هذا السياق – ومن خلال متابعتنا لكثير من ردود الفعل للحرب المستعرة بين إيران وإسرائيل على مدى الأسبوع الماضي – يمكن القول إن كثيرين يتعاملون مع العملية العسكرية الشاملة والواسعة: الأسد الصاعد، (الاسم «الكودي» الذي أطلقته إسرائيل على هذه العملية التي استهدفت إيران)، باعتبارها عملية عسكرية خاطفة تأديبية، يشنها الكيان الاحتلالي، الإبادي، التطهيري لأصحاب الحقوق.. على الدولة الإيرانية. إلا أن التوجيه العسكري «للأسد الصاعد» ينطلق من هدف استراتيجي.. مفاده القضاء على كل ما من شأنه تهديد الوجود الإسرائيلي، كما أن إنجاز هذه المهمة، يعني إعادة تشكيل الإقليم.. على مقاس إسرائيل وأمنها القومي. 

ومن ثم يحقق حلمها التاريخي – منذ الآباء المؤسسين – الساعي إلى تكريسها كقوة إقليمية وحيدةOnly Regional Power، (نستلهم الوصف السابق من المصطلح.. الذي سكه العالم السياسي الأمريكي صاحب أطروحة صدام الحضارات صموئيل هنتينجتون (1927 – 2008): قوة عظمى وحيدة Only Super Power؛ حول الدور الذي كان مزمعا أن تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية، بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي، بداية من مطلع تسعينيات القرن الماضي). 

ويُعد السعي الإسرائيلي الراهن.. من أجل أن تكون قوة إقليمية وحيدة، التطبيق العملي للحلم «البن جوريوني» التاريخي. وفي هذا المقام، نحيل إلى المقدمة التي كتبها بن جوريون لتتصدر الكتاب السنوي لحكومة إسرائيل سنة 1952، والتي جاء فيها: «إن دولة إسرائيل قد قامت فوق جزء من أرض إسرائيل.. ولا ينبغي القبول بفرضية وجود حدود تاريخية وطبيعية ثابتة للدولة، فالحدود تتغير وفق تغير الظروف والمراحل الزمنية المختلفة. ولذا لابد من إعادة النظر في مصطلح حدود طبيعية».

وينطلق «بن جوريون» عن قناعة بأن «الظروف، قد تجبر الدولة على إعادة النظر مرة أخرى (مرات) في تعيين حدودها الطبيعية؛ ما يعني استحداث حدود جديدة بها كلما دعت الضرورة»، أو ما أطلقنا عليه مرة: «استقطاع الخرائط»؛ إنها عقيدة التوسع Expansionism Doctrine؛ التي تحكم علاقة الكيان الإسرائيلي بالإقليم.. على مدى ما يقرب من قرن من الزمان. وتحكم تلك العقيدة رؤية/سلوك «نتنياهو». إذ صاغ تلك الرؤية في كتابه الصادر باللغة الإنجليزية سنة 1993: سلام دائم: إسرائيل ومكانها بين الأمم A Durable Peace: Israel & Its Place Among The nations؛ حيث كتب نصاً ما يلي: «إن السلام مع الفلسطينيين يضعفها (يقصد إسرائيل)، ويحول دون أن تصبح قوة إقليمية». كما أفصح بوضوح أن مبدأ «الأرض مقابل السلام» لا يتوافق مع عقيدة التوسع الإسرائيلية ويعوق تمددها. 

ومن ثم طرح مبدأ «السلام مقابل السلام»؛ أخذاً في الاعتبار أن يتضمن السلام – بالنسبة لإسرائيل – تعظيم قدراتها «التسليحية»؛ ومن ثم دعا إلى ما أطلق عليه: «السلام من خلال امتلاك القوة» peace through strength؛ أو «سلام الردع» Peace of Deterrence. وزاد في موضع تال بأن هذا «يستلزم دوماً إلى العمل على تغيير خريطة الشرق الأوسط». وبناءً عليه دأب، قولاً وفعلاً، على «تغيير الواقع الاستراتيجي للشرق الأوسط».. في فترات حكمه كرئيس لحكومة الكيان، غير آبه لتداعيات ذلك على الإقليم وتوازناته، ومصالح دوله الاستراتيجية. إذ من المهم بالنسبة له.. تحقيق حلم الآباء المؤسسين في التوسع. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المحافظين (السياسيين والدينيين) في الولايات المتحدة الأمريكية.. يباركون هذا التوجه، وهو: تكريس إسرائيل كقوة إقليمية منفردة في الشرق الأوسط. وهو ما ورد في الوثيقة الأمريكية المعلنة والمعنونة: الإبحار في العاصفة؛ التي قدمت إلى مكتب الرئيس بوش الابن في اليوم الأول من رئاسته سنة 2001 (أشرنا إليها مبكراً في أكثر من مقام).

في هذا الإطار، لابد من تأكيد الموقف المصري الرافض.. لما أطلق عليه بيان وزارة الخارجية المصرية: «غطرسة القوة»؛ التي من شأنها إحداث خلل استراتيجي للتوازنات في المنطقة، تصب في اتجاه الاستفراد الإسرائيلي. ما سيؤدي بحسب البيان إلى: «مزيد من إشعال فتيل الأزمة، ويقود إلى صراع أوسع في الإقليم، وينتج عنه تداعيات غير مسبوقة.. على أمن واستقرار المنطقة». كما «يعرض مقدرات شعوب المنطقة لخطر بالغ، ويهدد بانزلاقها كاملاً إلى حالة من الفوضى العارمة». ومن ثم «لن يتحقق الأمن – في المحصلة – لأي دولة في المنطقة.. بما في ذلك إسرائيل، وإنما يتحقق ذلك فقط من خلال احترام سيادة الدول، ووحدة وسلامة أراضيها، وتحقيق العدالة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية».

وبعد، لقد كتبنا قبل أكثر من ثمانية أشهر، عن أن الدعم الأمريكي الغربي الأطلسي – بالرغم من بعض المعارضات الأوروبية – سوف يشجع نتنياهو على الذهاب بعيداً جداً.. في حروبه حتى عمق الدولة الإيرانية، ومن ثم إعادة رسم الخريطة الشرق أوسطية. 

لذا فإن ما يجري اليوم يعد – حسب تعبير بيان الخارجية المصرية – «تصعيداً إقليمياً سافراً بالغ الخطورة».

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة