Times of Egypt

فشل مشروع التهجير!

M.Adam
عبدالقادر شهيب 

عبدالقادر شهيب..
بدون أي مجازفة تحليلية، وبكل الثقة، يمكن القول إن مشروع ترامب لتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن.. مصيره الفشل، رغم تحمس الرئيس الأمريكي له، وثقته في صاحبه.. وهو كوشنر زوج ابنته، ورغم – أيضاً – توهُّم ترامب أنه سيقدر في نهاية المطاف.. على إقناعنا.. نحن العرب، بهذا المشروع المسموم، الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية، ونسف فرصة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.. على أراضي الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشرقية.
فإذا كانت مؤامرة التهجير قد فشلت، والفلسطينيون يتعرضون لحرب إبادة بشعة، فليس من المنطقي ولا المعقول أن تنجح هذه المؤامرة.. بدعوى تعمير قطاع غزة، والاستفادة من موقعه الفريد الرائع والجذاب.. كما يراه ترامب بعيون رجل الأعمال!
وأسبابي عديدة ومتنوعة.. لتوقع فشل هذا المشروع الإسرائيلي القديم، الذي تبناه الرئيس الأمريكي، وسارع بالإعلان عنه.. بعد أيام قليلة من توليه مهام منصبه.
وأول هذه الأسباب، إصرار وتمسك مصر – ومعها الاْردن – برفض مبكر للتهجير القسري لأهل غزة.. وكذلك أهل الضفة الغربية، وهو الرفض الذي يلقى تأييداً ودعماً عربياً كاملاً، بل وأيضاً تأييداً ودعماً من كل الدول الإسلامية.. التي يزيد عددها عن خمسين دولة، سجلت رفضها هذا في قمتين بالرياض.
أما ثاني الأسباب، فهو يتمثل في تفهُّم أوروبي متزايد.. للرفض المصري والأردني للتهجير القسري لأهل غزة.. ولم يقتصر الأمر على الرفض القديم، الذي أعلنه الأوروبيون في بداية العدوان الإسرائيلي، إنما تجدد الآن مع طرح ترامب اقتراحه – بتقاسم مصر والأردن استضافة أهل غزة في أراضيهما، سواء لفترة مؤقتة أو دائمة – وقد كان الموقف الفرنسي هنا لافتاً للانتباه.. لأنه تضمّن رفضاً صريحاً لاقتراح الرئيس الأمريكي!
أما ثالث الأسباب، فهو يتمثل في أن مصر.. مستعدة – ومعها الأردن – لمواجهة وتحمل تداعيات رفضها لمشروع ترامب. وقد سبق أن جربت مصر تداعيات رفضها.. قبل عقود لمنح أمريكا قاعدة عسكرية في رأس بيناس على البحر الأحمر، والسماح لقوات تابعة للناتو بحماية وتأمين قناة السويس.. عندما نشطت العمليات الإرهابية في البلاد في تسعينات القرن الماضي.
وكذلك تداعيات رفض إعادة الإخوان لحكم البلاد.. بعد أن تخلصنا من حكمهم الفاشي، وهي التداعيات التي تمثلت في تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.. المقررة للحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك السعي لحصارنا دبلوماسياً وسياسياً، وتحريض دول أوروبية على منع مد قوات الشرطة المصرية.. بما تحتاجه من أسلحة ومعدات ضرورية!
بينما السبب الرابع.. يتمثل في أن الرفض المصري لمشروع ترامب لتهجير أهل غزة، هو رفض رسمي وشعبي؛فهو ليس رسمياً فقط، كما أنه ليس شعبياً فقط، إنما هو رفض شامل، رسمي وشعبي بدأه الرئيس السيسي، وأعلنته وزارة الخارجية، والبرلمان. وتشارك فيه.. نقابات، وأحزاب، ومثقفون، ومنظمات مجتمع مدني.
وهذا أمر شديد الأهمية؛ يقوي من الرفض المصري لهذا المشروع والخطير ويزيده قوة. وإذا تمسك به ترامب، فعليه أن يعلم أنه سوف يصطدم بالمصريين كلهم.. قيادة وشعباً.
ثم يأتي السبب الخامس، الذي يتمثل في أن أهل غزة أنفسهم.. يرفضون ترك أرضهم، ولا يقبلون بالتهجير.. لا قسراً أو طوعاً. فقد تعرضوا لحرب إبادة جماعية بشعة، وفقدوا عشرات الآلاف من الشهداء وأضعافهم تعرضوا للإصابة ومع ذلك لم يفكروا، مجرد تفكير، في مغادرة أرض القطاع.
ولننظر إلى المشهد المثير..الذي نطالعه الآن.. من عودة عشرات الآلاف منهم إلى شمال القطاع، رغم إدراكهم أنهم سيجدون منازلهم قد تم تدميرها، وأن مقومات الحياة فيها.. قد تم نسفها بشكل ممنهج،على أيدي قوات الاحتلال.. حتى يتعذر عليهم البقاء في أرضهم.
لهذه الأسباب مجتمعة، سوف يفشل مشروع ترامب – الذي فاجأنا به بشكل مثير للاستفزاز – لتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن.. بدعوى توفير سبل الحياة لهم. سيفشل هذا المشروع.. مهما فعل ترامب، ورغم أوهامه.. بأنه فى مقدوره تطويع إرادتنا للقبول به.
ولن تفلح إغراءات ترامب – أو ضغوطه – لتهجير أهل غزة خارج أرضهم. سيبقى أهل غزة يتمسكون بأرضهم، لا يهجرونها. وستبقى مصر داعمة لهم.. للاحتفاظ بهذه الأرض؛ لأن بقاءهم.. لا ينقذ فقط القضية الفلسطينية من التصفية، وإنما هو حماية للأمن القومي المصريأيضاً.
نقلاً عن «أخبار اليوم»

شارك هذه المقالة