مع الانتصارات الأخيرة التي حققتها المعارضة السورية على الأرض، والتدهور الاقتصادي الحاد الذي يشهده النظام، يبدو أن قبضة الرئيس بشار الأسد على السلطة باتت أضعف من أي وقت مضى. فبين سيطرة المعارضة المسلحة على مدن وبلدات استراتيجية شمال البلاد، والانهيار الاقتصادي الذي يعصف بسوريا، يطرح المحللون تساؤلات حول مستقبل الأسد ونظامه في ظل هذه الأوضاع المتسارعة.
انهيار ميداني:
شهدت سوريا تطورًا دراماتيكيًا الأسبوع الماضي عندما تمكنت قوات المعارضة المسلحة من السيطرة على نحو 250 مدينة وبلدة وقرية شمال البلاد، بما في ذلك مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية. تهاوت خطوط الدفاع الأمامية للنظام السوري خلال 24 ساعة فقط، ما أثار تساؤلات حول قدرة النظام على الصمود أمام هذه الانهيارات المتتالية.
تشارلز ليستر، مدير برنامجي سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أوضح في تحليله المنشور بمجلة “فورين بوليسي” أن هذه التطورات ليست مفاجئة تمامًا. وأكد أن الأسد لم يحقق نصرًا فعليًا في الحرب، وأن نظامه ظل هشًا منذ زمن. وأضاف أن موقف الأسد اليوم هو الأكثر ضعفًا منذ بداية الأزمة.
حسابات خاطئة:
يشير ليستر إلى أن الجهود الدولية لحل الأزمة السورية تراجعت، مع توجيه الحكومات مواردها إلى تحديات عالمية أخرى. كما أقدمت بعض الحكومات العربية منذ عام 2023 على إعادة تطبيع علاقاتها مع الأسد، في محاولة لإعادة دمجه في المشهد الإقليمي، وهو ما اعتبره صناع السياسات في واشنطن علامة إيجابية.
لكن ليستر يرى أن الافتراض بأن الأسد يستفيد من جمود الأزمة لتعزيز سلطته هو حساب خاطئ. فالواقع يشير إلى أن الأوضاع في سوريا تسير نحو الأسوأ.
أزمة اقتصادية خانقة:
الاقتصاد السوري في حالة انهيار مستمر، حيث تهاوت الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، إذ بلغ سعر صرفها 17,500 مقابل الدولار. ورغم أن تجارة المخدرات، وخاصة الأمفيتامين المعروف بالكبتاغون، تدر على النظام أرباحًا سنوية تصل إلى 2.4 مليار دولار، إلا أن الشعب السوري لم يستفد من هذه الأموال.
الأوضاع تفاقمت أكثر مع تدهور الاقتصادين الروسي والإيراني، الداعمين الرئيسيين للأسد. ويشير ليستر إلى أن الأسد لو كان قد تبنى انفتاحًا حقيقيًا على الحكومات الإقليمية وتركيا، لكان وضع سوريا مختلفًا اليوم.
المعارضة تعود بقوة:
في ظل هذه الظروف، عادت المعارضة المسلحة، التي كانت قد أبرمت اتفاقيات تصالح مع النظام قبل سنوات، إلى تحدي الجيش السوري مجددًا. وتمكنت خلال الأشهر الماضية من تحقيق انتصارات ملموسة على الأرض. كما شهدت هيئة تحرير الشام وجماعات المعارضة الأخرى تحسنًا كبيرًا في قدراتها منذ عام 2020، حيث أنشأت وحدات قتالية جديدة غيرت المعادلات في ساحة المعركة.
يشير ليستر إلى أن النظام السوري أصبح مركزًا عالميًا لإنتاج وتهريب المخدرات، معتمدًا بشكل أساسي على تجارة الكبتاغون. تدير هذه التجارة الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس، لكن آثارها امتدت لتشمل كل مستويات الجيش والمليشيات الموالية.
ومع ذلك، فإن الجريمة المنظمة ساهمت في تآكل الدولة الأمنية السورية، ما جعل المليشيات الموالية أقوى من الجيش نفسه، بينما أصبح النظام في حالة تفكك داخلي.
يرى ليستر أن الآلة العسكرية للنظام أصبحت عاجزة ومشتتة، بينما تعزز المعارضة قدراتها بشكل غير مسبوق. ومع خروج السوريين مجددًا إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الأسد، يبدو أن النظام يواجه أكبر تهديد لوجوده منذ اندلاع الأزمة.