Times of Egypt

كتاب «رصف مصر».. الخاتمة! 

M.Adam
مصطفى حجازي 

مصطفى حجازي 

هذا ما كتبه المصريون – مجتمعاً ودولةً – على مدار أكثر من سبعين سنة. كُتب كثير من سطوره بمال حرام، وبدم حرام، وقبلهما بجهل تسيّد. 

بقيت للكتاب خاتمته، وهذا الجيل هو من سيكتبها؛ إما له وإما عليه، إما لمصر وإما عليها. 

كتاب توجبت قراءته، على صفحات شوارع مدن المحروسة وقراها، على كل شبر فيها. 

كل شبر من «رصف مصر» ينضح بسوءاتنا.. أفراداً ومجتمعاً ودولةً..! كل شبر فيه يحدثنا عن «حصار الأهلية»، عن «محدودية الكفاءة»، عن «تهافت إدارة»، وعن «فساد» في محسوبية، وقبله عن «إفساد».. أسوأ من فساد، في إهمال وتواكل وكسل. 

كل شبر فيه يحدثنا عن التدليس، في نفاق العامة.. على حساب ترقية وعيهم، وفي غياب المساءلة والمحاسبة، وغض الطرف عن خطايا ذوي الحظوة. 

عن مجال عام ينتحر بالضحالة والجهالة؛ حين أقصى ذوي الأهلية، واحتقر ذوي الخبرة، ودجن ذوي الثقة، وارتهن ذاته.. لذوي الحظوة من فاقدي الأهلية والخبرة والثقة. 

كل شبر من كتاب «رصف مصر»، ينكشف فيه خواؤنا.. في فقر الفكر وفقر الحياء، كما فقر النفوس، وفوضى التزاحم، وقلة التراحم..! يلطمنا فيه عجزنا عن تشخيص حقيقة آفاتنا، وقصورنا عن تمثل الحد الأدنى من احترام الوقت والحياة، وتراخينا حيال النذر اليسير من الجدية.. في حفظ الأموال والأرواح..! عن ترخصنا في حرمة الدماء وقدسية النفوس..!  

نقرأ فيه، كيف بات الهزل في ثوب الجد.. يسود كل مقام، كيف أن العلم مقهور، وأن الخرافة مقدسة، وأن البذاءة والجهل والجنون.. أصبحوا ديدناً، حتى صاروا ديناً..! عرفنا فيه كيف أفقدنا كل مصطلح معناه؛ بالكذب على أنفسنا، والإغراق في الضلالات.. حين استفقنا وأيقنا أن ما نسميه شارعاً أو طريقاً، ليس بشارع أو طريق! لأن اسمه الأدق.. مسرح الحادثة أو مسرح الجريمة. على هذا أوجدناه تعمداً، لا ليكون طريقاً، ولكن ليكون مسرحاً لحادثة أو جريمة.. فلم الدهشة!  

لم الدهشة، وإحصاؤنا الرسمي يقول.. إن قرابة الخمسة والسبعين ألف قتيل، قضوا في حوادث الطرق في العقد الأخير، وإن ما يربو عن ثمانين ألف جريح سنوياً.. بإجمالي قد يتجاوز الملايين. ينجو أو يعاق.. جراء سوء منظومة الطرق.  

وأن خسارة اقتصادية مباشرة – وغير مباشرة – لحوادث الطرق.. تقدر بحوالي ستة مليارات ونصف المليار دولار سنوياً، نتكبدها من اقتصاد يترنح، وأن هدراً اقتصادياً.. ناتجاً عن الزحام، وسوء استهلاك المركبات – وفقاً لتقديرات البنك الدولي – يصل إلى إجمالي ثمانية مليارات دولار سنوياً، يذهب سدى. 

عرفنا في كتاب «رصف مصر».. أن السؤال الغائب في حياتنا، هو سؤال «لماذا؟»  

والسؤال الأكثر حضوراً «بالادعاء» هو «كيف؟».. تسلل من بين سطوره سؤال عاقل في وسط موالد الجنون الصاخبة، وهو: لماذا ننشئ طرقاً؟! ما هي علة وجود طريق بالأساس؟! هل علة وجود طرق، أن ندب عليها وكفى، أم لنتحرك عليها بفاعلية وأمان وانتظام وعدل؟ لو كانت علة وجوده أن يوجِد هيكلاً للتباهي.. ومادة لثرثرة الإنجاز، أو مساراً شبه معبد.. يحملنا دواب ومركبات وبشراً. لو كانت تلك هي العلة، فتلك طامة، فالأرض دون إنفاق وهدر وثرثرة.. قد تكفي وتفي، تحملنا دون كلل. 

أما إذا كانت علة وجوده أن يعيننا على التواصل الآمن، من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية، أن يكون شرياناً للتنمية؛ بأن يكون فاعلاً، آمناً، منظماً، عادلاً، وإلا لم يكن طريقاً.. فتلك حقيقة أخرى!  

عاد السؤال ليلح، بأنه لن تكون لما نزعمُه طريقاً «فاعليةً».. إلا من جودة إنشائه، ولن يكون له «أمان».. إلا من تصميم كفء للحركة والمناورة عليه، ولن يأتي «انتظامه».. إلا بدقة تحديد سعته، وتسمية مستخدميه من بشر ومركبات. ولن يكون في استخدامه.. «عدل» للفرد والمجتمع والدولة، إلا بتعريف المؤهلين لاستخدامه.. من بشر ومركبات، وأن يحكمهم جميعاً قانون رادع.. هدفه التيسير ومنع الخطأ، قبل أن يكون هدفه الجباية والزجر والعقاب. 

وحيث إنه بتعميم – لا يقبل تخصيص – ليس لدينا في مصر كلها، ما يمكن أن نطلق عليه طريقاً استوفى علة وجوده؛ وهي التواصل من أجل التنمية، وعناصر حقيقته من أمن وانتظام وفاعلية وعدل، فعلينا – حين ننصرف لحل مشكلة المقتلة اليومية بحوادث السير – أن نتواضع لله قليلاً، ونسمي الأمور بأسمائها لنعرف ماذا نعالج. 

آن لنا أن نضع لكتاب «رصف مصر» خاتمته، وخاصة باب «الهدر والدماء«. 

وآن لنا أن نعرف.. أن بغياب سؤالنا.. عن علة وجود أي شيء في حياتنا، فلن تتأتى حقيقته.  

آن لنا أن نعرف لماذا نعلم، أو نتعلم، ولماذا نسوس، ولماذا نبني اقتصاداً. وقبلها لماذا نبني وطناً ومواطناً، فلن تعيننا أي «كيفية» ندعيها، أو نستجلبها.. عن «سببية» تهدينا، وسنبقى أرض النكبات اختياراً!  

فكروا تصحوا. 

نقلاً عن «المصري اليوم« 

شارك هذه المقالة