Times of Egypt

ما وراء أبواب الجحيم الشرق أوسطي

M.Adam
نبيل عبدالفتاح

نبيل عبدالفتاح

الحروب تحمل الدمار للبشر والحجر، والدماء والقتلى، ومعها صخب خطابات التضليل والمراوغة، والتعمية، والمناورات السياسية، وملكة إدارة الجيوش، والذكاء الاصطناعي، والثورة الرقمية.. في عالمنا المتغير. ما وراء الدمار، والإبادة.. في قطاع غزة، والحصار الجماعي، وتدمير ثلثي القدرات الصاروخية لحزب الله، وعديد من رموز قيادات الصف الأول، والثاني، وبعض الثالث. جاء العدوان على المنشآت النووية الإيرانية في فوردو، ونطنز وأصفهان، واغتيال أعداد من علماء الذرة، وقادة في الحرس الثوري، وضربات صاروخية إيرانية.. على بعض المواقع في داخل إسرائيل. 

وسط العدوان الأمريكي – الذي جرى على المواقع النووية الثلاثة – تنفجر مع القنابل والصواريخ والطائرات المتطورة، عديد الأسئلة الأساسية: ما حالة وراء الدمار؟ والافتخار الأمريكي بالقوة المفرطة؟ ومعها خطابات الدعم الأوروبي ـ البريطاني والفرنسي، والإيطالي ـ لتصفية البرنامج النووي الإيراني، والسعي الكامن لتغيير طبيعة النظام الإيراني، ومساندة ودعم إسرائيل على جميع الصعد؛ بتوظيف مصطلح الدفاع الشرعي عن نفسها.. دون مسوغاته وأسبابه في القانون الدولي العام، وقانون الحرب، والدولي الإنساني، واللامبالاة بالمحكمة الجنائية الدولية، والعدل الدولية.. وقرارها الاستشاري بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة بعد عدوان 5 يونيو 1967. 

خطاب القوة المفرطة العسكرية، والذكاء الاصطناعي والرقمي، يحمل – في أعطافه – النزعة النيوامبريالية الكونية، والنيوليبرالية المهيمنة على القادة الأمريكيين، والأوروبيين. السؤال: ما هي مرجعية هذه الخطابات السياسية للقوة الكونية.. في مواجهة بعض العالم العربي، والإسلامي؟ وما هي دلالته وانعكاساته على شعوب، وثقافات المنطقة؟ 

مع وصول ترامب إلى السلطة – ومعه خطاب أمريكا أولاً، ولنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى MAGA – يبدو حاملاً لنزعة شعبوية وأوليجارشية واستبدادية.. وفق السناتور بيرني ساندرز، في ضوء سلوكه (ترامب) إزاء الكونجرس وبعض الولايات والهجرة ـ محمولة على بعض من الغرابة، والمفاجأة، والانطباعية المرسلة، وتناقضاتها الصاخبة في الخطاب السياسي الترامبي وشعاره ـ وفق الكاتب مايكل وولف «أفعل .. لن أفعل ..لا سأفعل» – الذي تمت هندسته وتوظيفه في إنتاج الارتباك، والاضطراب السياسي، وبعض من الفوضى الجزئية.. في بيئة العلاقات الدولية، لكي تستطيع الإدارة الجمهورية التفاوض من أجل تحقيق المصالح القومية السياسية والاقتصادية الأمريكية، وتحقيق مكاسب داعمة للجمهوريين في الداخل حزبياً. 

ثمة نزعة مفرطة.. للاحتفاء بالقوة العسكرية والذكية والاقتصادية، والاستعراض الخطابي السياسي، للعدوان على إيران.. وهو ما يعكس مفهوم الاستعلاء النيوامبريالي والنيوليبرالي المفرط، المسيطر على عقل الإدارة الجمهورية ورئيسها، والشركات الكونية الكبرى.. في كل المجالات؛ خاصة العسكرية، والرقمنة والذكاء الاصطناعي التوليدي. 

خطاب القوة – قبل وبعد ضرب المنشآت النووية الإسرائيلية – استهدف استعادة مفهوم الردع، ورسالة إلى الصين وروسيا.. في الصراع الدولي. الولع والشغف والافتخار الشعبوي.. بالقوة المفرطة تمثل استعادة، وتجديداً.. لبعض من النظرات الكولونيالية والإمبريالية.. إزاء الثقافات الأخرى الأدنى، ومستمد أيضاً من نظرة الرجل الأبيض – المحتل لأمريكا والهنود الحمر من السكان الأصليين، والتمركز الثقافي الأوروـأمريكي.. حول الذوات العرقية والثقافية، ومفهوم الرجل الأبيض المتقدم إزاء الآخر ـ أياً كان عرقه ولغته وثقافته ـ الأدنى.. على نحو ما أظهرته الكتابات النقدية ما بعد الكولونيالية، خاصة الأنثروبولوجيا الكولونيالية وما بعدها. 

إعادة النيوامبريالية – ومعها النيوليبرالية – بعضا من هذا المفهوم الاستعلائي.. إزاء المنطقة العربية وثقافاتها، وفي دعمها لإسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وعدوانها على قطاع غزة، وسياسة الإبادة الجماعية، وأيضاً العدوان الأمريكي-الإسرائيلي على إيران؛ بغضِّ النظر عن الطبيعة الأوتوقراطية لنظام الملالي، ونزعته الإمبراطورية مع تركيا وإسرائيل.. في محاولات الهيمنة على النظام الشرق أوسطي. 

هذه النظرة – الدالة على استعلاء الطبقة النيوليبرالية الأمريكية والأوروبية واليابانية – تمتد إلى النظرة إلى الإنسان في الثقافات الأخرى.. على أنه مادة، وشيء؛ يمكن تشكيله كجزء من الجموع الرقمية الغفيرة، ومن ثم فهو محض رقم.. ضمن البيانات الضخمة؛ خاصة في جنوب العالم والدول الفقيرة، والمتوسطة، وفي العالم العربي وإيران.. حيث الاستعلاء له جذور تاريخية كولونيالية وعرقية، ودينية، وتخلف تاريخي مركب ومستمر. 

… نظرة استعلائية، ذات جذور في الاختلاف الثقافي والديني، والمذهبي، وهيمنة السلطوية، والتسلط السياسي الشعبوي ما بعد الاستقلال، وإعادة إنتاج التخلف السياسي والاجتماعي. 

إن غرور القوة العسكرية الذكية النيوليبرالية، والنيوامبريالية.. يتمثل في التلاعب، وإزاحة مفهوم السلام العالمي.. لصالح القوة المفرطة ـ والعدوان ـ التي تبني السلام، وفق رؤية اليمين الإسرائيلي، واليمين التوراتي الأسطوري المتطرف، وهو ما بدا منذ اتفاقيات إبراهام في ولاية ترامب الأولى، والعدوان على غزة، وإيران، وضرب الأذرع الإيرانية في لبنان، واليمن، والعراق بين الحين والآخر. 

غرور القوة المفرطة العسكرية والذكية، أدى إلى نزع الأقنعة الأخلاقية عن توظيف القيم الليبرالية السياسية والإنسانية.. في مواجهة الإمبراطورية السوفيتية الشيوعية، وإزاء الشعبويات السياسية ما بعد الاستقلال.. في المنطقة العربية، ودول جنوب العالم. ثم أدت السياسات النيوليبرالية، والنيوامبريالية.. إلى تجديد إعادة إنتاج شبكات التبعية الاقتصادية؛ من خلال الشركات النيو رأسمالية الكونية، وهيمنة سياسات مؤسسات التمويل الدولية.. على السياسات الاقتصادية، خاصة في بعض الدول العربية، وجنوب العالم.

لا شك في أن العدوان الأخير على إيران – وقبلها على أذرعها الإقليمية – سيؤدي إلى عديد التغيرات في الشرق الأوسط، وموازين القوى الإقليمية، إلا أن ذلك لا يعني تحقق كل أهداف أمريكا وإسرائيل.. في منطقة معقدة. فقد يفتح ذلك المجال أمام عودة الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية، وظاهرة الذئاب المنفردة في أوروبا وأمريكا، وهو ما يشكل بعضاً من أبواب الجحيم في الشرق الأوسط.

نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة