Times of Egypt

مزاج ترامب!

M.Adam
عبدالقادر شهيب 

عبدالقادر شهيب

من بين التصريحات الغزيرة – المتناقضة والمتضاربة – للرئيس الأمريكي ترامب.. حول الصدام العسكري.. الذي اندلع بين إسرائيل وإيران، هناك تصريح أدلى به مؤخراً، يقول فيه إنه ليس في حالة مزاجية الآن.. للتفاوض مع إيران حول مشروعها النووي!

والمثير أن هذا التصريح الذي – ينصح فيه إيران بالعودة إلى مائدة التفاوض، لأنها فرصتها الأخيرة التي لن تتكرر مجدداً – جاء بعد تصريحات عديدة أدلى بها منذ اندلاع الصراع.  ومع ذلك، يصدم الرئيس الأمريكي الإيرانيين.. بأن حالته المزاجية لا تسمح بالتفاوض الآن!.. فلماذا دعوتهم إذن للعودة للتفاوض؟!

كما أنه في هذا التصريح – يضاف إلى أخرى تصريحات لترامب، ينفي فيها ما قاله الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي فسَّر به مغادرة الرئيس الأمريكي قمة السبع مبكراً، بأنه احتاج لمتابعة الجهود الأمريكية.. لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران – يؤكد أنه لا توجد جهود أمريكية في هذا الصدد. واقترن ذلك بمعلومات وأخبار، حول اجتماع ترامب مع أركان حكمه.. لبحث الانخراط المباشر والعلني في تلك الحرب، لتصفية المشروع النووي الإيراني، وعدم الاكتفاء بالمشاركة – غير المعلنة وغير المباشرة – لدعم إسرائيل مخابراتياً ولوجستياً، وتوفير ما تحتاجه من سلاح!

والأكثر إثارة في تصريح الحالة المزاجية لترامب، أنها المرة الأولى التي يقول فيها رئيس.. إن مزاجه لم يعد تفاوضياً، لوقف حرب مستعرة، وباتت لا تهدد فقط منطقة مهمة في العالم بعدم الاستقرار السياسي، وإنما تهدد العالم كله، باندلاع أزمة اقتصادية شرسة، ستطال بالقطع الاقتصاد الأمريكي. 

فمن المعروف أن حسابات الحرب والسلام، لا تخضع لمزاج رئيس أو ملك أو حتى قائد عسكري، وإنما تتم استناداً لمعلومات كافية ووافرة.. لصياغة موقف، حتى وإن لم يكن يروق شخصياً لأكبر مسؤول في أي بلد.. ناهيك عن أننا نتحدث هنا عن الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة أكبر قوة عسكرية في العالم، والتي تحفل بأجهزة المخابرات وجمع المعلومات، وفيها أكبر عدد من مراكز الأبحاث والدراسات.. التي توفر للمسؤولين فيها خيارات مدروسة، حتى يتخذوا قراراتهم.. وهم يبصرون مواضع أقدامهم، ويدركون تداعيات ما يتخذونه من قرارات.

ولكن ربما تنحسر الدهشة والعجب هنا، إذا أخذنا تصريح الحالة المزاجية التفاوضية لترامب.. مأخذ الجد؛ أي إذا اعتبرناه يستهدف إرباك القادة الإيرانيين، وممارسة أقصى قدر من الضغوط عليهم . فذلك أمر غير مستبعد، لدى من يعتقدون الآن أن المفاوضات بين أمريكا وإيران التي جرت – في سلطنة عمان وبواسطتها – وتوقفت بعد الجولة الخامسة، كانت جزءاً من خطة خداع استراتيجي، تستهدف التغطية على الضربة التي كانت تستعد إسرائيل لتوجيهها لإيران.. بدعم من أمريكا.

هناك من يرون أن ثمة اختلافاً بين أمريكا وإسرائيل.. في هدف ضرب إيران؛ فالأولى.. تريد وضع إيران تحت ضغط عسكري، لكي تستسلم وتقبل بكل شروطها.. وأهمها التوقف عن تخصيب اليورانيوم. 

والثانية.. تريد تغيير النظام الإيراني كله، بعد الإجهاز عسكرياً على إيران. غير أن من يدقق فيما تشهده المنطقة – منذ تولي ترامب إدارة أمريكا – سيرى أنه لا خلاف حقيقي بين أمريكا وإسرائيل؛ خاصة فيما يتعلق بهدف صياغة شرق أوسط.. جديد تهيمن عليه إسرائيل.

وهذا يتضح فيما شهدناه في سوريا، ونشهده في لبنان. والآن في إيران.. لإخراجها من خريطة القوى الإقليمية. 

وبالتالي لا يعول ترامب على المفاوضات مع إيران، اللهم إلا إذا كانت هذه المفاوضات.. إشهاراً لاستسلامها.

ولذلك، ليس مقبولاً عقلياً ما يردده البعض.. عن توريط نتنياهو ترامب في ضرب إيران. فما يحدث هو استخدام ترامب لنتنياهو.. لتحقيق هدف أمريكي استراتيجي، لا يقتصر على تصفية المشروع النووي الإيراني؛ وإنما يتسع لإخضاع إيران، وتجريدها من لقب قوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

في هذا الإطار فقط، يمكننا فهم تصريح ترامب.. عن تعكُّر مزاجه التفاوضي، أو عدم ملاءمة مزاجه للتفاوض مع إيران!

نقلاً عن «أخبار اليوم»

شارك هذه المقالة