عبدالقادر شهيب
وصفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.. حصيلة المائة يوم الأولى في ممارسة الرئيس ترامب مهام منصبه؛ كرئيس للولايات المتحدة، بأنها نجاح مذهل.. في صناعة الفوضى؛ ليس في بلاده وحدها، وإنما في العالم كله.. بين الخصوم والحلفاء على حد سواء.
فرغم تباهي ترامب بأنه أكثر رئيس أمريكي.. أصدر قرارات وكتب مذكرات، إلا أن هذه القرارات والمذكرات، أصابت أسواق العالم بالاضطراب والقلق وعدم اليقين – كما تقول «الواشنطن بوست» – وأدت إلى اندلاع حرب تجارية عالمية.. ليس معروفاً متى وكيف يتم احتواؤها.
ففي داخل أمريكا – رغم تأجيل تنفيذ قرارات ترامب الجمركية لثلاثة أشهر – ما زال القلق هو سيد الموقف اقتصادياً.. سواء بين المستثمرين الذين يخشون على مستقبل استثماراتهم ومشروعاتهم؛ فاقبلوا على شراء الذهب، فالتهبت أسعاره.. بعد أن هبط الدولار، أو بين المستهلكين الذين يترقبون موجة تضخم جديدة، بينما كان ترامب قد وعدهم – خلال حملته الانتخابية – بانخفاض التضخم، وتراجُع أسعار السلع، بعد استعادة عظمة الولايات المتحدة.. التي وعدهم بها.
أما خارج أمريكا، فقد أصاب القلق كل العالم.. لأن قرارات ترامب الجمركية/ لم تستثنِ أحداً في العالم كله؛ سواء من الخصوم أو الحلفاء. ورغم أن ترامب تحدث مراراً.. عن إقبال متزايد في الدول التي طلبت التفاوض على اتفاقات تجارية جديدة مع بلاده، إلا أنه لم تبرم دولة واحدة.. اتفاقاً تجارياً مع أمريكا، بل إن الصين – التي ردت انتقامياً بزيادة الرسوم الجمركية على وارداتها من أمريكا- نفت إجراء أي مفاوضات تجارية مع الأمريكان، على عكس ما قال ترامب.
وحتى الآن، لم تفلح محاولات ترامب في تهدئة مخاوف الأمريكيين؛ بالقول إن قراراته الجمركية سوف تثمر.. في نهاية المطاف.. زيادة في الإنتاج، وارتفاعاً في معدل النمو الاقتصادي للبلاد. وبالتالي، تراجعاً في التضخم. ولعل ذلك يرجع إلى أن هناك من يرفض قراراته تلك، ويحذر من نتائجها الوخيمة على الاقتصاد الأمريكي؛ التي تتمثل في عودة التضخم لمهاجمة الاقتصاد الأمريكي.. مع تعرُّضه – في ذات الوقت – لركود، ليصير ركوداً تضخمياً، وهو أسوأ أنواع الركود على الإطلاق.
كما لم تفلح تطمينات ترامب للعالم.. بأن قرارته الجمركية مطروح مراجعتها، وتخفيض الرسوم الجمركية التي رفعها على صادرات العالم لأمريكا.. إذا تم التوصل إلى اتفاقات تجارية مع دول العالم.. فالجميع يعلم أنه – حتى ولو تم التوصل إلى اتفاقات تجارية مع أمريكا – فإن الرسوم الجمركية ستكون أكبر.. مما كانت عليه قبل عودة ترامب للبيت الأبيض؛ وهو ما سوف يؤثر – بالطبع – سلباً على حركة التجارة العالمية، ومستوى تدفقها؛ أي أن الضرر وقع بالفعل، والفارق فقط – إذا تم توصُّل أمريكا لاتفاقات تجارية مع الشركاء التجاريين – سيكون في حجم ومستوى ومقدار هذا الضرر. وهذا ما حذَّر منه صندوق النقد الدولي.. بعد قرارات ترامب التجارية، التي وصفها بأنها صادمة.
ولعل ذلك يفسر التراجع – الذي رصدته مجلة إيكونوميست – في شعبية ترامب داخل أمريكا، كشف عنه استطلاع للرأي أجرته أخيراً، أوضح أن هناك 52 في المائة من الأمريكيين.. يرفضون سياسة ترامب الاقتصادية، بينما هناك نحو 42 في المائة فقط.. يوافقون على تلك السياسة، وهذا يُعد أكبر تراجع لرئيس أمريكي في المائة يوم الأولى لحكمه.. بالقياس مع العديد من الرؤساء الأمريكيين.
لكن ترامب لا يعترف بذلك، والأهم.. لا يكترث به، وما زال يردد أنه حقق نجاحاً كبيرًا.. لم يحققه غيره من الرؤساء الأمريكيين. وأغلب الظن أن ترامب، سوف يتهم الواشنطن بوست وأيكونوميست.. بمعاداته، لمصلحة خصومه الديمقراطيين، الذين يعطلون جهوده لانتشال أمريكا من أزماتها، ومشاكلها التي ألحقوها بها!
غير أن ذلك لن يجدي نفعاً.. مع مرور الوقت، وتأزُّم الأوضاع الاقتصادية في أمريكا، وتزايد معاناة الأمريكيين.. الذين كانوا يأملون في تحسن أحوالهم المعيشية.
وسيكون الحساب في نهاية العام المقبل.. في انتخابات الكونجرس القادمة.
نقلاً عن «أخبار اليوم»