Times of Egypt

نظرية أوركسترا الحمل المعرفي: دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التعلم 

M.Adam
image

وسيم المبارك 

تشهد العملية التعليمية – في الآونة الأخيرة – تطورات هائلة وسريعة وغير مسبوقة، وهو ما أَذِن بظهور ما يعرف بـ “أوركسترا الحمل المعرفي”؛ وهي طريقة مُثلى.. تستخدم الذكاء الاصطناعي، وتستفيد منه في تطوير عملية التعلم. وهذه الطريقة مُستقاة من نظرية الحمل المعرفي للباحث سويلر عام 1988، وقد أثبتت فاعليتها في التكيف مع احتياجات الطلاب، وهو ما لم يكن مُتصوَّرًا في بيئات التعلم التقليدية السابقة.  

نتجت نظرية الحمل المعرفي.. من تكامل منهجي دقيق ومتطور، بين علم الأعصاب وعلم النفس المعرفي والتعلم الآلي، وتنقسم الأحمال العقلية إلى ثلاثة أنواع: 

  • الحمل الجوهري: وهو الجهد الذي يبذله المتعلم، لفهم مادة صعبة بطبيعتها. 
  • الحمل الخارجي: وهو الجهد الزائد، الناتج عن أسلوب شرح معقد، أو تصميم تعليمي غير مناسب. 
  • الحمل الملائم: وهو الجهد المفيد الذي يبذله المتعلم، ليبني عقله المخططات الذهنية الواضحة وينظم المعلومات. 

وتتبع هذه النظرية نهجًا ديناميكيًا، يتحكم جيدًا في تلك الأحمال ويراقبها، ويحسِّنها باستمرار، وذلك من خلال أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة. 

لقد كان للذكاء الاصطناعي دور هائل.. في تمكين التطبيقات الحديثة لـنظرية الحمل المعرفي.. من استخدام مجموعة رائعة من تقنيات المراقبة البيومترية.. لتقييم الحالة المعرفية للطالب في الوقت الفعلي، على سبيل المثال: 

  • أنظمة تتبع حركة العين: إذا اتسعت حدقة العين أكثر من 5.5 ملم، فهذا دليل على إرهاق ذهني وإجهاد معرفي مفرط. وعليه؛ يستجيب الذكاء الاصطناعي مباشرة ويتدخل تلقائيًا. 
  • خوارزميات التعرف إلى الوجه: إذا قطب الطالب جبينه – مما يشير إلى ارتباكه – يتدخل النظام ويقدم شروحًا أيسر وأوضح. 
  • تحليل سرعة الكتابة، وأنماط ضغطات المفاتيح: إذا أبدى الطالب ترددًا أو تباطؤًا، تُقدَّم تلميحات في الوقت المناسب، أو يُعدَّل المسار التعليمي بما يناسبه. 

ويكون عمل هذه الأنظمة.. باعتمادها على تقنيات التعلم الآلي، على سبيل المثال: 

  • تواصل خوارزميات التعلم المعزز.. عملها باستمرار، لتصل بالطالب إلى أن يكون منتبهًا، وعلى درجة عالية من التركيز، دون أن يشعر بالإرهاق. 
  • تولّد شبكات المحوّلات  (Transformer networks)شروحات.. مصمَّمة خصوصًا لسد فجوات المعرفة عند كل طالب. وقد تم ضبطها بدقة بناءً على سجلات التعلم الفردية 

ولم يكن هذا التطور التكنولوجي بعيدًا عن الواقع، أو حبرًا على ورق، وإنما أثبتت دراسات من جامعة سيدني عام 2023 – فعليًا – أن هذه الأنظمة تزيد من سرعة التعلم بنسبة 31 %.. مقارنة بالأنظمة التقليدية. كما أبلغت منصات التعلم عبر الإنترنت عام 2024.. عن انخفاض معدل انسحاب الطلاب من الدورات بنسبة 40 %. 

    وأمامنا تطبيق واقعي في فنلندا، يُظهر مدى فعالية نظرية تنظيم الحمل المعرفي؛ حيث يعمل برنامج رياضيات تكيفي – على أجهزة لوحية مزودة بتغذية لمسية – مهمته تعديل صعوبة المسائل تلقائيًا.. حسب أداء الطالب، وهو ما كان له بالغ الأثر في تقليص فجوات التحصيل بنسبة 37 % خلال عامين فقط. 

 وفي الجامعات، استخدمت منصة NEUROStudy عصابات رأس.. لقياس نشاط الدماغ، فإذا شعر الطالب بالإرهاق الذهني، وأظهر النظام إشارة على حمل معرفي زائد، تتوقف المحاضرة تلقائيًا. وقد أدّى ذلك إلى تضاعف عدد الطلاب الذين يُكملون محاضراتهم، وبلغ رضاؤهم عن النظام نسبة 92 %. 

وعلى الرغم من هذه النجاحات المتتالية، تظل هناك تحديات تواجه تطبيقات CLO جارٍ العمل على معالجتها مثل: 

  • فيما يتعلق بالخصوصية: بمعالجة البيانات على الجهاز نفسه.. دون تخزينها خارجيًا. 
  • فيما يتعلق بالتكلفة: بالاعتماد على الهواتف الذكية واستخدام تطبيقات منخفضة التكلفة مثل  EyeLearn  التي تعمل بكاميرا الهاتف الأمامية، وتحقق دقة عالية تقدر بـ 85 % من دقة أداء الأنظمة الأخرى الأغلى. 
  • فيما يتعلق بالتحيُّز الثقافي: تُدرَّب الأنظمة على بيانات تشمل أكثر من 50 جنسية وعِرق.. لتجنُّب الانحياز في تحليل تعابير الوجه. 

يَعِد CLO بمستقبل مليء بتطبيقات أكثر تطورًا. فبحلول عام 2025، يُتوقَّع أن توفر عصابات الرأس  EEG غير الغازية دقَّة غير مسبوقة في قياس الحمل المعرفي. 

  • في غضون العقد المقبل، قد تُمكَّن واجهات الدماغ والحاسوب من المراقبة العصبية المباشرة. 
  • يُصبح الذكاء الاصطناعي أكثر وعيًا بالعاطفة، وقادرًا على التمييز بين الإرهاق الضار والتحدي المفيد. 

تمثل CLO ثورة تعليمية حقيقية، بسبب نهجها الاستباقي لتحسين التعلم، على العكس من الأنظمة التقليدية التي تنتظر الطالب أن يُخطئ حتى تتدخل. تتميز “أوركسترا الحمل المعرفي” بأنها تتنبأ بالمشكلة وتمنعها قبل أن تحدث، فضلًا عن قدرتها اللا محدودة على التكيف؛ لذا لمست المدارس ما لها من فوائد كبيرة، على رأسها: 

  • تقليل الحاجة إلى الدروس الخصوصية. 
  • تحسين أداء الطلاب. 

وهو ما أثمر عوائد على الاستثمار من 2 إلى 3 أضعاف ما كانت عليه من قبل. 

ومع استمرار التعليم في تحوله الرقمي، تسعى أوركسترا الحمل المعرفي.. إلى إحداث نقلة نوعية في مفاهيم التعلم الشخصي، والتعلم الفعَّال.. حتى ترقى به إلى أعلى مستويات التعلم. 

شارك هذه المقالة