مصطفى السعيد
يطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو.. بتدخل أمريكي عاجل في الحرب ضد إيران، وأول سؤال يتبادر للذهن، أليست أمريكا مشاركة فعلياً في الحرب؟
إنها مَن تمد إسرائيل بأحدث الأسلحة، وأهمها طائرات إف-35، وكذلك أحدث الصواريخ الدقيقة بمديات متعددة، وتزود الطائرات بالوقود في الجو من قواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة، وتزوِّد إسرائيل بتحركات وإحداثيات المواقع الإيرانية، من أقمارها الصناعية وطائرات التجسس، وتتعاون مع إسرائيل مخابراتياً.. في التواصل، وتحريك خلايا التجسس، وتجنيد وتحريك العملاء داخل إيران. كما أن عدداً كبيراً من الطيارين والخبراء العسكريين يحملون جنسيات أمريكية-إسرائيلية مزدوجة، وتستخدم أدواتها السياسية وقواها الناعمة في حشد التأييد لإسرائيل. فماذا تبقى لتمنحه أمريكا لإسرائيل؟
يمكن تحريك حاملات الطائرات الأمريكية، وطائراتها الاستراتيجية.. للاشتراك في القتال، فهل سيكون هذا التدخل فاعلاً ومؤثراً؟ وما هي آثاره الجانبية وتداعياته؟
من شأن التدخل العسكري الأمريكي المباشر أن يوسع مساحة وقوة المعارك، ويتطلب موافقة الكونجرس، لكنه سيصطدم بعواقب وخيمة، فسوف تصبح حاملات الطائرات الأمريكية وبوارجها في مرمى الصواريخ فرط الصوتية الإيرانية، والقادرة على المناورة، مما يجعل من الصعب إسقاطها.
وسبق أن أجبرت الصواريخ اليمنية القطع البحرية الأمريكية.. على الابتعاد عن سواحل اليمن، لكن القدرات الإيرانية أقوى وأكثر وأحدث بكثير مما لدى اليمن، وفي حالة تدمير إيران حاملة طائرات أو بعض السفن الأمريكية، فسوف تكون كارثةً عسكريةً. ولن تكون السفن الأمريكية وحدها في خطر، بل القواعد العسكرية المنتشرة في دول الخليج، التي ستكون في مرمى الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وستصل بسرعة وكثافة إلى أهدافها، مما سيلحق أضراراً كبيرةً بها. وكذلك الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا، الذي تتجنب إيران استهدافه، وتكتفي بدفع الجماعات الحليفة لها.. لإطلاق بضعة صواريخ صغيرة لإزعاجها، لكن الأمر سيكون مختلفاً في حالة الحرب، وسوف تتعرض تلك القواعد لضربات ثقيلة ومكثفة.. بالطائرات المسيرة والصواريخ والهجمات البرية، وغالباً ما ستغلق إيران مضيق هرمز بسهولة، مما يتسبب في أزمات اقتصادية كبيرة، ويتوقف شحن البترول والغاز لتتضاعف أسعاره إلى أرقام فلكية، وكذلك إغلاق باب المندب.. على يد جماعة الحوثيين اليمنية الحليفة لإيران، لتصاب حركة التجارة بشلل لا يمكن تحمله.
وستكون الولايات المتحدة مضطرةً إلى الاقتراب ببوارجها ومشاة البحرية.. لمحاولة فك الحصار البحري على شحنات البترول والغاز وحركة التجارة، وهنا سيكون الأمر أكثر خطورةً على القوات الأمريكية، التي ستكون في متناول قوات الحرس الثوري والجماعات المسلحة الأخرى، ويمكن أن يلحق الضرر الكبير بآبار البترول والغاز ومصافي البترول ومحطات الكهرباء وتحلية المياه، ما سيؤدي إلى أضرار خطيرة للغاية بدول الخليج.
ولا ننسى أن كلاً من الصين وروسيا قد تتدخلان بدعم إيران، لاستنزاف قدرات الولايات المتحدة وحلفائها، وستمدها بأسلحة حديثة، منها منظومات دفاع جوي، بعضها قادر على كشف الطائرات الشبحية، وأخرى بعيدة المدى، وصواريخ فرط صوتية دقيقة وأكثر سرعة، وحدود إيران وشواطئها طويلة ومفتوحة، مما يسهل وصول الإمدادات لها براً وبحراً وجواً، والمسافة قصيرة نسبيا.. بين إيران وكل من روسيا والصين. كما أن إعلان باكستان عن وقوفها إلى جانب إيران في الحرب، يمنح طهران ميزات إضافيةً، وعمقاً استراتيجياً وخطوط إمداد سهلة، ولدى باكستان أسلحة صينية، أثبتت كفاءتها في معركتها مع الهند أخيراً.
كل هذا يعني أن التدخل الأمريكي المباشر والمعلن.. ستكون تكلفته باهظةً، وقد يحرك الداخل الأمريكي ضد إدارة الرئيس ترامب، التي تعاني مشكلات كبيرةً؛ خاصةً صدامها مع «الدولة العميقة» والحزب الديمقراطي والتمردات في كاليفورنيا وعدد من الولايات التي اتسعت فيها المظاهرات ضد سياسات ترامب.
إيران استعدت منذ سنوات.. لمواجهة هجوم مشترك من أمريكا وإسرائيل معاً، وتدرك أنها أقل تقدماً في سلاح الجو، لهذا ركزت على بناء أكبر وأهم مواقعها تحت الأراضي الجبلية، ومن ثم.. فإن أي حرب أمريكية مع إيران ستكون وصعبة ومكلفة للغاية، وقد يؤدي لمزيد من تراجع الدور العسكري والاقتصادي الأمريكي عالمياً، وتفقد واشنطن بعض عناصر قوتها وهيبتها.
نقلاً عن «الأهرام«