د. نيفين مسعد
تعرَّض مقالي السابق.. للإجابة عن السؤال الخاص بما إذا كان خطر إسقاط النظام الإيراني قد
زال.. مع توقف الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، أم أن هذا الخطر لا يزال قائماً. ويتعرَّض هذا
المقال للإجابة على سؤال آخر.. من الأسئلة الكثيرة التي أثارتها حرب الأيام الاثني عشر.
سؤال هذا الأسبوع هو.. حول ما إذا كانت حرب إيران ستعجل بإنهاء حرب غزة أم لا. والسبب
الذي دفعني للتوقف أمام السؤال.. عن العلاقة بين حربي إيران وغزة، هو ما لاحظته من استنتاج
العديد من التحليلات الإسرائيلية – والغربية، والعربية – أنه بعد وقف إطلاق النار مع إيران،
أصبح الطريق ممهداً للتوصل إلى صفقة في غزة، تُفضي إلى إنهاء الحرب على القطاع، وتقطع
الخطوة الأخيرة نحو الشرق الأوسط الجديد.
فعلى الرغم من الاختلاف بين هذه التحليلات.. حول بنود الصفقة ومدتها الزمنية، ومدى شمولها
لأطراف أخرى.. غير أطرافها المباشرة، والدور العربي فيها…إلخ، إلا أن هناك اتفاقاً عاماً فيما
بينها – وبدرجة عالية من الثقة – حول أن الضربات العسكرية الإسرائيلية/الأمريكية ضد إيران..
قد أضعفتها كثيراً؛ بما يجعل من غير الوارد أن تستمر في دعم حركة حماس في المستقبل.
والحال هكذا، فإن الظروف تبدو مواتية تماماً لاقتناص الفرصة، وإجبار حماس على قبول ما
كانت ترفضه في البداية. وهذه مسألة تحتاج إلى مناقشة.
من القواعد المستقرة في علم الرياضيات، أنه من السهل حل المعادلات ذات المجهول الواحد،
بعكس المعادلات ذات المجهولين فأكثر. وينطبق على معادلة حربي.. إيران وغزة، صفة المعادلة
متعددة العناصر المجهولة، ولذلك فإن أحداً لا يستطيع ادعاء الثقة التامة.. في صحة تحليلاته
السياسية. فمبدئياً هناك تضارب شديد في تقييم أثر الضرر الذي ألحقته الحرب على إيران..
بمنشآتها النووية، وهو تضارب قائم بين أطراف الحرب، كما أنه موجود في داخل كل طرف.
وعلى سبيل المثال أدلى رافائيل جروسي – المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية – قبل أيام
قليلة.. بتصريح من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من غموض الصورة، إذ قال جروسي: إنه يمكن
لإيران أن تتمكن من العودة لتخصيب اليورانيوم.. في خلال عدة أشهر.
ومن المفهوم، أن هناك أسباباً كثيرة للتشكيك في تصريح جروسي؛ أهمها أن الوكالة لم تفحص
الواقع الإيراني على الأرض. وأن عمل الوكالة.. تحيط به شبهة تسييس، فلا ننسى أنه كان
الذريعة التي استخدمتها إسرائيل.. للاعتداء على إيران. لكن – في الوقت نفسه – فإنه ليس من
الموضوعية استبعاد هذا التصريح.. عند التفكير في المستقبل – خصوصاً مع وجود عدة شواهد
لافتة للنظر؛ من قبيل عدم انبعاث أي إشعاعات من المواقع النووية الإيرانية التي تعرضت
للهجوم، وما تردد عن نقل إيران اليورانيوم عالي التخصيب.. لمكان آمن، هذا فضلاً عن تفاوت
معلومات المصادر الأمريكية.. ما بين التقليل من أثر الضربة الأمريكية وبين تضخيمها.
فإذا لم يكن ممكناً الجزم بتدمير البرنامج النووي الإيراني، فهل يمكن أن تقتنع إسرائيل – وتقنع
العالم – بأنها أنهت مهمتها، وأنها جاهزة لاستثمار هذا النجاح على الساحة الفلسطينية؟ هذا أول
مجهول.
على صعيد آخر، فإن الذي يلاحظ التطور في سلوك شبكة حلفاء إيران في المنطقة.. اعتباراً من
شهر سبتمبر الماضي، يدرك مدى الانضباط الذي ميز هذا السلوك.. في مواجهة العدوان
الإسرائيلي المستمر على غزة؛ على الرغم من اشتداد ضراوة العدوان وتصاعده؛ فعلى مدى هذه
الفترة، تميزت الساحات اللبنانية والسورية والعراقية – على التوالي – بهدوء واضح، يمكن
إرجاعه إلى اعتبارات تتعلق بالمصلحة الوطنية.. لكل من هذه الدول على حدة، وعدم الرغبة في
التورط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
كما يرجع ذلك إلى رغبة إيران.. في تهدئة الأوضاع الإقليمية، وتهيئة الظروف المناسبة لإنجاح
مفاوضاتها – حول برنامجها النووي – مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يتعلق بالساحة اليمنية – التي مثلت الاستثناء، وحافظت على الاشتباك.. مع ساحة غزة –
فإنها أجرت تعديلاً جذرياً على سياستها تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بإخراجها السفن
الأمريكية من نطاق هجماتها الصاروخية.
بقول آخر، فإذا كان الدعم الإيراني لحماس هو العامل الأساسي الذي يتحكم في صمود الحركة،
فإن هذا الدعم قد توقف قبل الحرب على إيران بفترة طويلة.
والأهم من ذلك كله، أن حركة حماس كبدت إسرائيل – في مدينة خان يونس – واحدة من أكبر
الخسائر العسكرية.. التي منيت بها منذ بداية عملية طوفان الأقصى. وكانت المفارقة، أن هذه
الخسارة أتت في اليوم نفسه، الذي كان يستعد فيه بنيامين نتنياهو لإعلان انتصار دولته على
إيران؛ مؤكداً أن منشآتها النووية دمرت تماماً، وأن إسرائيل أوفت بوعدها.
وعلى ضوء هذه المتغيرات، يكون السؤال هو: إلى أي مدى يصح القول إن حماس تم
إخضاعها.. بتأثير نتائج الحرب الإسرائيلية-الإيرانية؟ هذا مجهول ثان.
يضاف إلى ما سبق – في إطار مفاجآت الرئيس الأمريكي التي لا تنتهي – استهجن دونالد ترامب
الاستمرار في المحاكمة القضائية لبنيامين نيتانياهو.. بتهمة الفساد، واعتبر ذلك من شأنه أن يؤثر
سلباً.. على عملية التفاوض مع حماس وإيران. ولن نتوقف هنا أمام كون هذا التهديد المبطن –
الذي صدر عن «أكبر ديمقراطية»، في العالم للتأثير على الجهاز القضائي في «أكبر
ديمقراطية» في الشرق الأوسط – ينطوي على تدخل أمريكي غير مسبوق.. في الشؤون الداخلية
الإسرائيلية، ويطيح بمبدأ العدالة وسيادة القانون. فهذه الدلالات – على خطورتها البالغة – ليست
هي موضوع مقال اليوم.
لكن المهم في الأمر، هو ما نستخلصه من أن بقاء نيتانياهو في منصبه – وليس هزيمة إيران –
يعد بمثابة الشرط الضروري.. من وجهة النظر الأمريكية، لإتمام التفاوض مع حماس، من أجل
إنهاء الحرب على غزة.
على صعيد آخر، تتصاعد حدة الانتقادات الداخلية في إسرائيل – سواء من جانب الجيش أو
المعارضة السياسية – لاستمرار حرب غزة.. دون أفق زمني محدد، لتحقيق أهدافها المعلنة:
القضاء على حركة حماس، وتحرير الرهائن. وهنا يثور السؤال المركب التالي: إذا كانت قد
توافرت الظروف الموضوعية، لإنضاج تسوية سياسية في غزة.. بعد النجاح الإسرائيلي في
تحجيم القدرات النووية الإيرانية، فبماذا يؤثر.. أن يكون على رأس حكومة إسرائيل بنيامين
نتنياهو، أو يائير لابيد مثلاً؟ وأين موضع الحديث عن جدوى استمرار حرب غزة.. من حديث
النصر الإسرائيلي؟ هذا مجهول ثالث.
إن الربط بين حربي إيران وغزة، هدفه تهيئة مخرج لائق لإسرائيل.. من معركتها مع
«حماس»، بعد ما يقرب من عامين على اندلاعها. بمعنى أن نيتانياهو يحتاج إلى الترويج
لانتصار ما، قبل الذهاب إلى الصفقة التي تريدها الولايات المتحدة في غزة. أما كون هذا
الانتصار قد تحقق بالفعل على إيران، فهذه سردية.. تحيطها مجاهيل كثيرة.
نقلاً عن «الأهرام»