زاهي حواس
الأهرامات مغطاة باللون الأسود
انهالت عليَّ المكالمات التليفونية، صباح يوم الاثنين الموافق 31 ديسمبر الماضي. كان الاتصال الأول من مندوب قناة العربية، تبعه اتصال العديد من الصحفيين والمراسلين.. الذين قاموا بإرسال صور للأهرامات – وهي متشحة باللون الأسود! – إلى هاتفي. قلت لهم: ليس لديَّ أي تفسير عن هذا الموضوع!
بعدها توجهت إلى مكتبي، وبدأت البحث في هذا الموضوع. اتصلت بالأثري أشرف محيي – مدير عام منطقة الهرم – وسألته: هل الأهرامات مغطاة باللون الأسود؟. بالطبع نفى تماماً، وأجابني بأنه يُحدثني، وأمامه الأهرامات الثلاثة، ولا وجود لأي لون أسود! بعدها تحدثت مع الدكتور محمد إسماعيل خالد – أمين عام المجلس الأعلى للآثار – واتفقنا على أنه حتى لو مرت سحابة كبيرة فوق الأهرامات، فلن نرى هذا اللون الأسود على الإطلاق. واتفقنا على أن ما حدث هو عبارة عن صورة مزيفة.. باستخدام برامج الرسم الحديثة؛ مثل برنامج الـ«فوتوشوب».
أتمنى أن يكون عام 2025.. هو عام تغيير سلوك المواطن المصري تجاه السائحين. إننا – بلا شك – نعاني أزمة أخلاق.. لدى شريحة كبيرة من المتعاملين مع السائح، الذي يصل إلى بلادنا. لم تكن هذه الأزمة بتلك الحدة في الماضي، لكنها أصبحت ظاهرة تهدد السياحة. لا بد من تحرك كل الجهات المعنية.. لوضع حلول لتلك المشكلة، وعلى الأزهر الشريف والكنيسة ووزارة التربية والتعليم والإعلام والسياحة والشرطة.. التدخل، أولاً حماية لأخلاقنا وعاداتنا كمصريين، وحماية للزائر لبلادنا.. الذي له علينا حقوق.
إن قصص استغلال ونهب أموال السائحين كثيرة ومريرة.
الفريق كامل الوزير
قابلت الفريق كامل الوزير لأول مرة.. عندما احتفلت مصر بالانتهاء من طريق الكباش، وبعد انتهاء الاحتفالية.. توجهنا إلى المطار. وداخل صالة كبار الزوار، سألني وزير الطيران – في ذلك الوقت – محمد منار عنبة.. مداعباً: «اشرح لنا يا دكتور إزاي كل الفراعنة كانوا أهلاوية!»، وقبل أن أفسر الدعابة، كنت أود أن أقول إن هناك بردية تم كشفها في ميت رهينة، تؤكد نصوصها الهيراطيقية – التي قام علماء اللغة المصرية بترجمتها – أن الفراعنة كانوا أهلاوية. هنا انطلق الفريق كامل الوزير مهاجماً كلانا بضراوة، جعلتني أقول للحاضرين: لكننا اكتشفنا أيضاً أن الزملكاوية.. هم الذين بنوا الأهرامات. والحقيقة الوحيدة المؤكدة، أننا نستمتع بلعبة كرة القدم في مصر؛ لوجود أندية كبيرة مثل الزمالك والأهلي والاتحاد والمصري والإسماعيلي.. وغيرها من الأندية الجماهيرية.
والمرة الثانية – التي قابلت فيها الوزير كامل – كانت في حفل أقامه السفير صالح بن عيد الحصيني – سفير المملكة العربية السعودية – بمناسبة وصول الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان إلى القاهرة. وعندما يتحدث كامل الوزير عما يحدث في مصر؛ فهو يتحدث بثقة، وإيمان بقدرات هذا البلد وأبنائه، وعندة قدرة غريبة على الشرح والتبسيط، وذاكرة تحمل عدداً مهولاً من الأرقام.. سواء الكيلومترات أو الأطنان، أو أعداد الركاب، وكذلك المليارات التي تنفق، وعوائدها على الاقتصاد.
وأهم صفات كامل الوزير.. هي التلقائية، التي لا تعرف غير الحقيقة والمكاشفة. لقد أحدث كامل الوزير طفرة في سكك حديد مصر. بالفعل عدنا إلى زمن وصول القطارات إلى محطاتها في مواعيدها، بعد أن كنا قد فقدنا الأمل في تحقيق هذا. وهناك إنجاز نراه كل يوم.. في شبكات الطرق والمواصلات، وكذلك في الموانئ المصرية. بدأنا منذ تولى كامل الوزير المهمة أن نشعر بأن هناك دراسة وتخطيطاً وعملاً.. ضمن منظومة متكاملة بعيداً عن العشوائية. ويبقى الآن الأمل في النهوض بالقطاع الصناعي في مصر، وفتح المصانع المغلقة، وأن تعود عجلة الإنتاج للعمل مرة أخرى.. بكامل طاقتها، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للنهوض باقتصاد بلادنا. ولذلك لابد من تقديم وسام التقدير والاحترام إلى الوزير كامل الوزير.
بقي لي مطلب.. يتعلق بالحفاظ على آثار مصر، فقد حدث عام 2008، أن قامت وزارة النقل بعمل مسار لطريق قطار الوجه القبلي، في مخطط يمر بالناحية الشرقية من معبد الملك سيتي الأول في أبيدوس، وقد شرحت خطورة هذا الموضوع إلى فاروق حسني.. وزير الثقافة آنذاك. وقام على الفور بالاتصال بالوزراء المعنيين، وقمنا باستئجار طائرة، وتوجهنا إلى أبيدوس، وشرحت لهم أن المنطقة التي سيقطعها خط السكك الحديدية.. هي كعبة الحج عند المصريين القدماء، والجبانة المقدسة للأسلاف المؤسِّسين. وتوجد بها مقابر ملوك الأسرة الأولى، وآخر ملكين من الأسرة الثانية، بالإضافة إلى أجمل معبد في مصر؛ وهو المعبد الذي بناه الملك سيتي الأول، وابنه الملك الشهير رمسيس الثاني. ويجاوره معبد آخر جميل للملك رمسيس الثاني.
اتفقنا على ضرورة نقل الطريق بعيداً عن الآثار. وكانت المشكلة أن المجلس الأعلى للآثار.. كان – للأسف – قد أعطى موافقة على إقامة هذا الطريق في الماضي. ولذلك وجدنا أن تحويل الطريق سوف يتكلف حوالي 50 مليون جنيه. وأذكر أننا بالفعل دفعنا هذا المبلغ، وتم تحويله. هنا أتوجه بالرجاء إلى الوزير كامل الوزير.. بأن يراعي الحفاظ على أهم المواقع الأثرية في مصر، وأن يبعد هذا الطريق عن معبد الملك سيتي الأول.
رحيل أسد الصحراء
رحل عن عالمنا قبل بداية العام الجديد.. الدكتور بهي العيسوي؛ الملقب بـ «أسد الصحراء». والدكتور العيسوي، واحد من أهم أساتذة الجيولوجيا في مصر. ويمتاز بأنه من أكثر الجيولوجيين اهتماما بالآثار، ويعرف معلومات عن كل حبة رمل في الصحراء. جاب صحراوات مصر.. شرقها وغربها، وكتب لنا العديد من المقالات العلمية المهمة عن جيولوجية مصر. وقد عرفت دكتور بهي.. منذ أكثر من 30 عاماً. وكان رجلا لديه كاريزما عالية وشجاع. عرّضته شجاعته لمشاكل كثيرة في حياته. وهو من أكثر الناس علماً وثقافة، ويتبعه العديد من تلاميذه في مصر وأمريكا. وأشرف على أكثر من 60 رسالة ماجستير ودكتوراه.
وقد حصل على الجائزة التشجيعية من اليونسكو عام 1973، وكذلك وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1975. وقد استفدنا منه كثيراً.. وهو عضو في اللجنة الدائمة للآثار المصرية. ويرجع إليه الفضل في اكتشاف منخفض توشكى كمفيض. وهو من أوائل مَن عرضوا استخدامه في الزراعة. واكتشف فوسفات أبوطرطور، وخام الحديد في الواحات البحرية. وكان لديه العديد من الحلول التي تساعد على زيادة حصيلة مصر من المياه. وحقق العديد من الاكتشافات في حقبة عصور ما قبل التاريخ.
وهنا أسجل ما كتبه دكتور فكري حسن.. عن دكتور بهي العيسوي (23 أغسطس 1934- 30 ديسمبر 2024) من أنه.. «بلا شك من أساطين الجيولوجيا في مصر وعمدتهم، وهو شخصية أسطورية بارزة.. لشاب قضى كل عمره يجوب صحاري مصر القاحلة؛ يضرب خيامه في المكان، لينقلها إلى لا مكان آخر.. بحثاً عن ثروات مصر الجيولوجية في صحاريها، التي لا يعرف عنها الكثيرون إلا القشور. ومن الصعب أن نتخيل أي جيولوجي واحد، يضاهي مدى عمله الميداني في تلك المناطق النائية. عركته الصحراء، فأصبح أسداً لا يهاب الصعاب، ولا يُثنيه شيء.. ما دام وجد خيطاً يهتدي به إلى ما تخفيه كثبان الرمال، وما تنم عنه شواهد المعادن في قمم الجبال أو الصخور وفي قيعان الوديان».
كان ساخراً ضحوكاً صريحاً، تحرر من أوهام المدينة ونفاقها. آخر حديث دار بيني وبينه – رحمه الله – كان قبل شهرين من وفاته.. حيث أخبرني أنه بخير، لكنه أصبح لا يرى جيداً!
رحم الله بهي العسوي، سوف نفتقد عالماً جليلاً، أثرى حياتنا بالعلم النافع.
نقلاً عن «المصري اليوم«