Times of Egypt

إعلان «الكحك» وأكذوبة جيل بلا أساتذة!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

خلال متابعتي أزمة إعلان «كحك العيد» التلفزيوني، الذي أراد من خلاله حلواني – ظهر حديثاً – حرق المراحل، والحصول على المكانة.. التي يعتقد أنه يستحقها – على حساب حلواني عريق – تداعت إلى ذاكرتي سلسلة طويلة من المشاحنات اللفظية، والمعارك الصاخبة.. بين أجيال جديدة – سواء في مجالات الشعر أو الأدب أو الفن – ترى أن من حقها أن تتصدر المشهد.. الذى سيطرت عليها أجيال قديمة. كانت حججهم تقريبا واحدة.. أساليب الكبار عفا عليها الزمن، ولم يعد لديهم ما يقدمونه.. في ظل اختلاف الأذواق وتغير الثقافات. والخلاصة، آن على الكبار إخلاء الساحة.. لجيل جديد «أفضل».
في عام 1921، أصدر الأديبان الكبيران العقاد والمازني كتاب: «الديوان في الأدب والنقد».. هاجما فيه – بضراوة – الأدب والشعر في عصرهما، وتفرَّغ العقاد لهدم مدرسة أحمد شوقي الشعرية، بينما تكفل المازني بالمنفلوطي.
اتهم العقاد شعر شوقي.. بأنه مصطنع ومتكلف، ليس له مزية شخصية أو نفسية. وفعل المازني نفس الأمر.. مع المنفلوطي.
كان الكتاب عملية هدم كاملة، لكن شوقي – رغم كل ذلك – ظل أمير الشعراء، ولم يستطع العقاد النيل من مكانته. وفي عام 1954، كتب الأديب الشاب – آنذاك – فتحي غانم.. مقالاً بعنوان: «طه حسين عقبة ضخمة في طريق القصة القصيرة»، قال فيه: «لو ظل كُتاب القصة القصيرة متأثرين بأسلوب طه حسين، وبطريقته.. لتأخر ذوقنا الأدبي، ووعينا الفني». رد طه حسين قائلاً: «ما أريد أن أكون عقبة في سبيل أحد، ولكني أُحب أن يُعلِّمني هؤلاء الأدباء.. كيف أزيل هذه العقبة من سبيلهم.. أيكون ذلك بالإعراض عن الكتابة، وبالتزام الصمت؟ أيكون باستصدار قانون يُحيل الكتاب على المعاش؟.. ما ذنب هؤلاء الكُتاب وما ذنب قرائهم؟».
ثم يتفاجأ الوسط الأدبي – بداية الستينيات – بمقولة للأديب الراحل محمد حافظ دياب: «نحن جيل بلا أساتذة»، التي فجَّرت نقاشاً أدبياً عارماً. كان دياب الذي قدم للقاهرة – من الإسكندرية – يؤمن بأن مستقبله عظيم، وأن الكبار يحولون بينه وبين تحقيق ذلك.
وفي 1968، جدد الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش الجدل، بمقال عنوانه: «هل أصبح نجيب محفوظ عقبة في طريق الرواية العربية؟» قال فيه إن محفوظ فرض ظله على كل من حوله، وأصبح الكثيرون من أبناء الجيل الجديد.. يبتعدون عن ميدان الرواية.. حتى لا يكونوا تقليداً لمحفوظ.
أما في الفن، فالحديث عن محاربة عبدالحليم حافظ.. للمطربين الجدد لم يتوقف.. سنوات ما قبل رحيله. لكن موته الحزين والمفاجئ، أثبت مدى «أكذوبة» تلك المقولة. كان وجود حليم.. دافعاً لهؤلاء المطربين للتجديد والإبداع، لمناطحة الفنان الكبير. وبعد رحيله، توارى بعضهم وانطفأت أنواره!
الجديد لا يهدم القديم، إلا إذا كان القديم.. قد استنفد قوته، ولم يعد لديه ما يقدمه.
مجرد رفع شعار.. أنا شاب ومناسب لعصر، وقادر على ملء الفراغ، لا فائدة منه.. مادام الجمهور والمستهلكون لم ينفضوا أياديهم، ويصموا أذواقهم.. عن القديم.
وكما أن مقولة «ماضيه يُزكّيه».. ليست صحيحة على إطلاقها، فإن «شبابه يُزكّيه»..فقط – دون جهد وإبداع واحترام للكبير – ليس وصفة للنجاح.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة