Times of Egypt

عن هوية مصر في سياقها التاريخي «3» 

M.Adam
د. أحمد زكريا الشلق 

د. أحمد زكريا الشلق 

… وحين نمضي في استعادة وتأمُّل ما كُتب عن موضوعنا – وهو هوية مصر وشخصيتها في سياقها التاريخي – مع من اتخذوا من التاريخ عنصراً حاكماً، ومتجلياً في تكوين مصر وهويتها عبر العصور، لا يفوتنا أنه منذ العشرينيات من القرن الماضي – عقب ثورة مصر القومية عام 1919 – حيث نجد أن الدكتور محمد حسين هيكل (1888-1956)، قد اقتحم بها مجال الأدب، فيما سماه «الأدب القومي»، حين كتب بعض المقالات والإسهامات الإبداعية.. التي امتد بها من العصر الفرعوني، إلى العصر الذي يعيشه، حين تأثر بزيارته لآثار توت عنخ آمون ووادي الملوك، فاستوحى من الزيارة قصتين، (هما: أبيس، وسميراميس)، نشرهما في كتابه «في أوقات الفراغ» عام (1925).. بعد أن مهَّد لهما بمقالاته عن الأدب القومي، الذي استكمل الحديث عنه في كتابه التالي «ثورة الأدب» (1933)، فأضاف فصولاً عن هذا الأدب القومي، وعلاقة التاريخ به، ثم قدم محاولات إبداعية جديدة في نفس المجال (عن إيزيس، وراعية هاتور، وأفروديت). ولم يستمر في هذا الاتجاه.. مكتفياً بما كتب، لأنه عاد إلى كتابة قصص مصرية.. من واقع الحياة المعاصرة له؛ مستلهماً مادتها، كأدب قومي من الواقع الذي يعيشه. ولعل ذلك يذكرنا بنجيب محفوظ، الذي قرر أن يصوغ تاريخ مصر القديم.. في أربعين رواية، لكنه لم ينجز منها سوى ثلاث روايات معروفة. 

وما يهمنا هنا، هو أن الدكتور هيكل رأى أن الأدب المصري.. المميز لشخصية مصر، تمتد أصوله من مصر القديمة إلى مصر الحديثة، وأن هذا الأدب يُعدُّ ملمحاً من ملامح تكوين مصر.. وهويتها الخاصة؛ فعبَّر عما بين مصر القديمة ومصر الحديثة.. من اتصال نفسي وثيق، وبيَّن أن الناس يخطئون.. عندما يعتقدون أن ما طرأ على مصر منذ عصور الفراعنة.. من مقومات حياة الأمم، قد فصل بين الأمة المصرية الحاضرة وبين الأمة المصرية القديمة.. فصلاً حاسماً، جعلنا إلى الرومان والعرب.. أقرب منا إلى أولئك الذين عمروا وادى النيل.. في ألوف السنين التي سبقت المسيحية. مع أن الدم الذي يجري في عروقهم، يجري في عروقنا. وقد استخدم هيكل تعبير «قوميتنا الأدبية» ربما.. ليوضح أن الأدب المصري القديم يُعد من مكونات الأمم القومية. 

وفي العشرينيات من القرن الماضي أيضاً، أسهم توفيق الحكيم (1898-1987) في إبراز الأدب القومي، أو إبراز الأدب.. كأحد مكونات شخصية مصر، وهويتها منذ عهد الفراعنة. وقد عبَّر عن إيمانه بوجود رواسب من آلاف السنين.. باقية في أعماقنا دائماً، وأنه عندما يكتب عن الأساطير، فإنما يقوم بمحاولة «لمد حبل يربط حياتنا الروحية والفكرية.. في أطوارها المختلفة. إن روحنا الكامنة لا تتغير.. بتغير الأزمان، ولا تختلف كثيراً.. باختلاف العصور والأزمان. وأنه كتب عن «أهل الكهف» عام 1933؛ مستوحياً المسرحية من القرآن الكريم. وكتب «عودة الروح».. لتعالج طبيعة الشخصية المصرية. وإذا كان قد كتبها عام 1927، فإنها لم تنشر – في كتاب – إلا عام 1933، وصدَّرها بنشيد من «كتاب الموتى»؛ ليعبر عن أن لمصر روحاً خالدة، تعود إليها.. كلما تخيل أعداؤها أنها ضعفت وتحللت. وعندما نشر مسرحية «شهرزاد» عام 1934، كتب فيها – على لسان إيزيس – «أنا كل ما كان، كل ما يكون، كل ما سيكون».  

وذكر «لقد رأيت صلة خفية بين إيزيس الفرعونية، وشهرزاد.. التي ظهرت في العصور العربية، واقتبستُ من القرآن الكريم أفكاراً.. رأيت لها حقيقة غائرة في مصر القديمة».  

ثم ها هو يكتب عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم.. سيرة حوارية عام 1936.  

هذا هو الأدب المصري – أو القومي لمصر – الذي يعبر عن جوهرها.. من العصر القديم إلى الحياة المعاصرة، ليشكل سمة راسخة من سمات تكوين هوية مصر، وشخصيتها المميزة لها عبر العصور. 

وكاتبنا الكبير عباس العقاد (1889-1964).. عندما ألف كتابه عن «سعد زغلول» عام 1936، كتب فصلين في بدايته.. عن طبيعة مصر والمصريين – كمدخل للكتاب، وربط تحليلاته لهذه الطبيعة، بتطور مصر التاريخي – عبَّر خلالهما عن تكوين مصر والمصريين، وطبيعة الوطن وأهله.. الجنسية والنفسية والاجتماعية والسياسية، فيما سماه «خصائص النفس المصرية». وقد لخَّص العقاد الأمة المصرية في كلمة – أوجز وأجمع من وصفها بصبغتها الجغرافية والتاريخية.. المتفق عليها – وهي أنها «أمة طويلة التاريخ، قديمة عهد بالمدنية في أرض زراعية». 

أما طه حسين، فقد ناقش كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» (1938).. قضية هوية مصر الثقافية، وانتمائها الثقافي والحضاري، وعبَّر عن اقتناعه بأن العقل المصري – منذ عصوره الأولى – تأثر بالبحر المتوسط، وأن مصر تبادلت المنافع مع شعوبه، وأنها يجب أن تلتمس المؤثر الأساسي – في تكوين الحضارة المصرية والعقل المصري – في البحر المتوسط، وفي الأمم التي عاشت حوله.  

وعندما تحدث العميد عن عناصر القومية، ومكونات الوحدة السياسية، استبعد منها وحدة الدين، ووحدة اللغة، ووحدة الجنس؛ لأنها لا تشكل – في رأيه – أساساً لتكوين الدول في العصر الحديث. ودعا إلى الاتصال بأوروبا، والأخذ بأسباب الرقي.. التي أخذت بها، لا أن تكون مصر صورة طبق الأصل منها، وذكر أنه.. لا بأس على حياتنا الدينية، من الأخذ بأسباب الحضارة الأوروبية؛ فقد أخذ المسلمون بأسباب حضارة الروم والفرس، «فلا خوف على شخصيتنا القومية، وعلى ميراثنا، ولا أن ننكر أنفسنا، ونجحد ماضينا. ولا أن نفنى في الأوروبيين.. وإنما أدعو إلى أن نثبت لأوروبا، ونحفظ استقلالنا.. من عدوانها وطغيانها. ومصر تتعرض للفناء، إذا عجزت عن أن تقاوم أوروبا بسلاحها. إن شرقنا القريب، هو مهد العقل.. الذي يزدهي ويزدهر في أوروبا، وهو مصدر حضارتها». 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة