عبدالقادر شهيب
مجرد إعلان رغبة ترامب.. في إقالة رئيس الفيدرالي الأمريكي، كان له وقع الصدمة؛ ليس فقط داخل أمريكا وحدها، وإنما في العالم كله.
رغم أن الرئيس الأمريكي حرص على طمأنة العالم على توصُّل بلاده مع الصين، لصفقة تُنهي الحرب التجارية بينهما، إلا أنه آثار قلق العالم.. باندلاع اضطراب في الاقتصاد العالمي، بما تردد داخل أمريكا.. عن بحثه إمكانية عزل رئيس الفيدرالي الأمريكي.. لعدم استجابته لتعليماته بخفض أسعارالفائدة، وهو الأمر الذي استقبله العالم بقلق.. حول استقرار الاقتصاد العالمي؛ فالاقتصاد العالمي يتأثر بشدة بما ينتهجه الفيدرالي الأمريكي من سياسات نقدية.
وقد حدث عندما انتهج سياسات نقدية متشددة، واتجه إلى رفع أسعار الفائدة.. للسيطرة على التضخم قبل ثلاث سنوات، أن شهدت أسواق العالم حالة واسعة من الاضطراب، واقترن ذلك بخروج جماعي للأموال الساخنة.. من أسواق بلدان الاقتصاديات الصاعدة، وكانت بلدنا واحدة منها، وهو ما ترتب عليه أضرار بالغة لهذه الاقتصاديات كان أهم أعراضها زيادة الفجوة الدولارية، مما أدى إلى انخفاض قيمة عملاتها، وبالتالي اندلاع موجات تضخم عاتية فيها. وهكذا تتأثر اقتصاديات العالم بما ينتهجه الفيدرالي الأمريكي من سياسات نقدية وتحديداً سعر الفائدة.
وقد بدأ العالم يشعر بالهدوء، ويستعيد الاقتصاد العالمي بعضاً من استقراره عن العام الماضي، بعد أن بدأ الفيدرالي الأمريكي ينتهج سياسات نقدية جديدة، بخفض أسعار الفائدة.. تزامناً مع انخفاض معدل التضخم في أمريكا. لكن بعد أن أعلن ترامب قراراته الجمركية – التي اتسعت لتشمل تقريباً العالم كله – تحسب الفيدرالي الأمريكي.. أنها سوف تعيد معدل التضخم في أمريكا للارتفاع مجدداً، الأمر الذي سيجعله غير قادر على الاستمرار في خفض أسعار الفائدة. وهنا تصادم موقف جيروم باول – رئيس الفيدرالي الأمريكي – مع رئيس بلاده ترامب، الذي يرغب في تخفيض سعر الفائدة.. لدفع معدل النمو الاقتصادي.
وبعد أن أعلن باول عدم استجابته لترامب، هدد الأخير بعزله من منصبه! وبغضِّ النظر عن أن ذلك لا يحدث في الدول الصغيرة، أو غير الديمقراطية.. لأن البنوك المركزية مفترض أنها مستقلة، ولا يمكن عزل من يتولى رئاستها.. ولو بقرار من الرئيس، فإن مجرد إعلان رغبة ترامب في إقالة رئيس الفيدرالي الأمريكي كان له وقع الصدمة.. ليس فقط داخل أمريكا وحدها، وإنما في العالم كله؛ لأنه سوف يصيب الاقتصاد العالمي بعدم الاستقرار، ويهدد بنشوب الفوضى في أرجائه.. لافتقاد اليقين بالنسبة للسياسة النقدية التي سوف تنتهجها أمريكا في المستقبل المنظور.
وساهم في وقع وتأثير تلك الصدمة الاقتصادية العالمية الجديدة، أن ترامب – الذي لا يتيح له الدستور إقالة رئيس الفيدرالي الأمريكي – قد يفعل ذلك.. بإحداث تغيير في القانون المنظم لعمل الفيدرالي الأمريكى؛ وهو لديه غالبية فى الكونجرس تمكنه من ذلك.
لكن في المقابل هناك – في أمريكا – من يرى أن ترامب غير قادر على أن يفعلها بإقالة باول، لأنه سوف يواجه بمعارضة أمريكية كبيرة.. حتى من داخل حزبه الجمهوري.
وترامب – كما يعرف الاندفاع واتخاذ القرارات المفاجئة – يعرف أيضاً التراجع، وإعادة النظر في قراراته.. أو على الأقل تأجيل تنفيذها. وقراراته الجمركية شاهدة على ذلك، حينما أجل تنفيذها ثلاثة أشهر، بعد أن أصابت بالاضطراب الأسواق الأمريكية، وهبطت بقيمة الدولار الأمريكي.
بل هناك من يرى أنه – بوصفه رجل أعمال – يجيد طرح المستحيل في صفقاته، ليحصل على الأفضل من الممكن والمتاح. ولذلك يرون أن التهديد بإقالة باول.. هو ممارسة للضغط عليه، حتى يقبل بتخفيض أسعار الفائدة.
وحتى إذا افترضنا صحة ذلك، فإن هذا التهديد لباول – وإن لم ينفذ بالفعل – قد أحدث تأثيره السلبي بالفعل في الاقتصاد العالمي، وجعل الاضطراب هو المسيطر على أسواق العالم . لذلك فإن انتهاج سياسة نقدية مستقلة، وعدم اللهاث وراء الفيدرالي الأمريكي.. فيما يفعله، هو السبيل الصحيح الذي يتعين أن تسلكه البنوك المركزية في بلدان الاقتصاديات الصاعدة.
نقلاً عن «أخبار اليوم»