د. محمد السعيد إدريس
قبل يومين فقط من شن الحرب العدوانية الإسرائيلية على إيران، وبالتحديد في يوم الأربعاء (11 يونيو الحالي) أعاد بنيامين نتنياهو مجدداً.. الحديث عن مشروعه الذي يعد لتنفيذه – بدعم أمريكي ومساندة أصدقاء في «الجوار العربي».. بكل أسف – لفرض نظام إقليمي للشرق الأوسط، تلعب فيه إسرائيل دور القوة الإقليمية العظمى المسيطرة، دون منافس أو منازع إقليمي؛ أي فرض نظام إقليمي شرق أوسطي «أحادي القطبية» تختفي فيه ونهائياً أي قوة إقليمية، يكون في مقدورها الآن – أو مستقبلاً – تحدي هذا النظام الإسرائيلي أو الخروج عليه، بكل ما يعنيه ذلك من التحرك لتدمير أي قوة إقليمية منافسة، أو يُحتمل أن تكون منافسة.. في المستقبل القريب، لقواعد اللعبة في هذا النظام، وبالتحديد القوى الإقليمية الكبرى الثلاث التي يراها نتنياهو خارجة، حتى الآن، عن السيطرة الإسرائيلية أو التي تحمل طموحات تحفزها لفرض نفسها قوة إقليمية لها اعتبارها وهي: إيران وتركيا ومصر، على الترتيب.
في ذلك اليوم (الأربعاء 11 يونيو الحالي) صرَّح نتنياهو بما نصه:
– متأكد أن الإمبراطورية العثمانية لن تعود، ونحن سنعمل كي لا تعود..!!
– حطمنا الكثير من أذرع إيران، لكن الخطر ما زال قائماً.
– لن نسقط ولن نستسلم، وسننتصر على «حماس».
يلاحظ على هذه النقاط الثلاث ما يلي:
1- إن نتنياهو أعطى الصدارة في تصريحه المهم لعزمه على الحيلولة دون ظهور قوة تركية إقليمية كبرى.. على أسس من المفاهيم الحضارية التاريخية؛ أي «العثمانية الجديدة» التي تعد المفهوم الاستراتيجي لدى نظام الحكم التركي الراهن، تحت زعامة الرئيس رجب طيب إردوغان وحزب «العدالة والتنمية»، الذي يعطي أولوية كبرى لتأسيس تركيا كقوة إقليمية شرق أوسطية كبرى، يكون في مقدورها استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية ورسالتها التاريخية الحضارية.
2- عدم إعطاء الأولوية للقضاء على ما يسميه بـ«الخطر الإيراني».. جاء من قبيل «تحصيل الحاصل»، وهو أن قرار الهجوم على إيران بشن حرب واسعة.. هدفها الاستراتيجي إما إسقاط النظام مباشرة، وإما تهيئة الظروف للشعب الإيراني كي يتولى هو هذه المهمة، بعد أن تهيئ له إسرائيل الفرصة المناسبة لذلك. ما يعني أن الأولوية الحقيقية التي لم يعلنها نتنياهو هي: إسقاط النظام في إيران عبر الحرب.. التي كانت مقررة سلفاً، ثم التوجُّه لاحتواء تركيا، وبعدها يأتي الدور على مصر.. دون إفصاح عن هذا العزم؛ لعدم إحداث اضطراب في العلاقات الإسرائيلية المصرية، يمكن أن يعرقل المشروع الإسرائيلي نحو كل من إيران وتركيا، ودون تجاهل – بالطبع – لوعود نتنياهو بتحقيق المشروع الإسرائيلي في كل فلسطين بضم قطاع غزة والضفة الغربية إلى كيان الاحتلال بعد القضاء على كل فصائل المقاومة والرفض وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية «حماس».
3- إخفاء الحديث الصريح عن مصر.. ضمن هذا المخطط الإسرائيلي على لسان نتنياهو، لاعتبارات بروتوكولية أو دبلوماسية، لم يمنع قيادات عسكرية وسياسية إسرائيلية مرموقة، من الاستمرار في الحديث عن «الخطر المصري».. على نحو ما حدث مع «الخطر الإيراني» طيلة السنوات القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، وصف اللواء متقاعد «بتسحاق بريك» – في مقال خطير نشرته صحيفة معاريف (الاثنين 26 مايو الماضي) – مصر بأنها «التهديد الأشد خطورة على تل أبيب»، وحذَّر من «تعاظم القوة العسكرية المصرية»، وروَّج لمقولات من نوع.. أن مصر «لا تكتفي بعدم احترام اتفاقية السلام، بل تقيم علاقات تعاون عسكري مع ألد أعداء إسرائيل، وهي تمتلك اليوم أكبر وأقوى جيش في الشرق الأوسط، دون أن يكون لدى إسرائيل أي رد عملي على ذلك»، أن «المصريين يجهزون أنفسهم لاحتمالية الحرب ضد إسرائيل».
بهذه الملاحظات الثلاث، يمكننا أن نفهم بعض خفايا وأهداف الحرب الإسرائيلية الراهنة ضد إيران.. التي جاءت بعد يومين فقط من تصريح نتنياهو المشار إليه «فجر الجمعة 13 يونيو الحالي»، وعقب مرحلة طويلة من «الخداع الاستراتيجي»، قامت به الولايات المتحدة عبر جولات متعددة من المحادثات مع إيران للتوصل إلى اتفاق أمريكي-إيراني جديد، بديل لاتفاق عام 2015.. الذي خرجت منه الولايات المتحدة بقرار منفرد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – في ولايته الأولى عام 2018 – ما يعني أن الولايات المتحدة شريك كامل في هذه الحرب مع إيران؛ سواء بالتخطيط والتمويل والتنفيذ.. عبر القيام بمهمة إسقاط جل الصواريخ الإيرانية المتجهة نحو إسرائيل.
أول هذه الأهداف، هو ما يسميه الإسرائيليون بـ«قطع رأس الأخطبوط» – كما يسمون إيران في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية – بعد القضاء على أذرعها الرئيسية في لبنان وسوريا وغزة. والمقصود هنا هو إسقاط النظام، وليس مجرد تدمير قدراته النووية والصاروخية، وتحويل إيران إلى «دولة هامشية» في إقليم الشرق الأوسط ، ليبدأ بعدها استكمال باقي المخطط مع كل من تركيا ثم مصر.
ثاني هذه الأهداف، توظيف الانتصار على إيران.. ليكون قوة دافعة لفرض المخطط الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية.
وثالث هذه الأهداف، جعل مشروع «السلام الإبراهيمي» مشروعاً أو خياراً أحادياً للدول العربية.. كركيزة لفرض الهيمنة الإسرائيلية على الشرق الأوسط.
نجاح إيران في استيعاب الضربة الأولى الأليمة والعنيفة – التي طالت أبرز القيادات العسكرية والعلمية – ثم التحوُّل إلى فرض «خيار الردع»، والضرب بقوة انهكت قدرات إسرائيل، وأجبرت الرئيس الأمريكي على التواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. للبحث في حل سياسي سريع لوقف الحرب، أسقط هذا المخطط الإسرائيلي، لكن ما هو أخطر ما زال ممكناً، حيث إن إيران لديها أوراق قوية لكسر المشروع الإسرائيلي-الأمريكي، أبرزها: إغلاق مضيق هرمز، ما يعني خلق أزمة اقتصادية عالمية، لا يقدر ترامب على دفع أثمانها، والانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ثم توظيف العدوان عليها.. لإعلان قرارها الاستراتيجي بامتلاك السلاح النووي، عندها سيواجه كيان الاحتلال الإسرائيلي مستقبله المظلم.. على أنقاض مشروعه الذي سيتهاوى.
نقلاً عن «الأهرام«