أيمن سمير
يقول نابليون بونابرت: «الحرب مثل الحب، لا بد أن يلتقي طرفاها وجهاً لوجه.. في نهاية المطاف». وكل المؤشرات على الأرض، كانت تشير إلى أن الولايات المتحدة.. ستنخرط مباشرةً في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، بعد انخراطها بشكل غير مباشر؛ من خلال دعمها «المطلق وغير المشروط».. للحملة العسكرية الإسرائيلية على إيران. كل ذلك، رغم شهادة رئيسة المخابرات الوطنية الأمريكية تولسي جابارد – أمام الكونجرس في شهر مارس الماضي – التي قالت فيها إن البرنامج النووي الإيراني.. «سلمي تماماً»، وإن وكالات المخابرات الوطنية الأمريكية المتعددة.. أكدت عدم وجود قرار سياسي – أو إرادة سياسية إيرانية – لبناء قنبلة نووية، أو امتلاك سلاح نووي، وهي شهادة تتفق مع التصريحات الجديدة.. لمدير الوكالة الدولية للطاقة النووية رفائيل جروسي، بأن إيران «ليست قريبة» من تصنيع السلاح النووي، وأنها فقط زادت مستوى التخصيب إلى 60%، وأنتجت 408 كيلوجرامات من اليورانيوم العالي التخصيب.
رغم ذلك، قال الرئيس ترمب إنه.. لا يثق بكلام مديرة مخابراته، وإنه مقتنع تماماً بالرواية الإسرائيلية، التي تقول: إن إيران كانت قريبة جداً من إنتاج السلاح النووي.. قبل الضربات الإسرائيلية على مفاعلات «نطنز» و«آراك» و«أصفهان» و«فوردو»؛ ولهذا يطلب ترمب من إيران «استسلاماً كاملاً وبلا أي شروط»، وهو أمر ترفضه إيران.. على جميع المستويات السياسية والعسكرية والدينية.
كانت هناك كثير من الشواهد على الأرض.. تشير إلى أن واشنطن تستعد للدخول مباشرةً – بجانب إسرائيل – في حربها ضد إيران. أبرز تلك الشواهد هي إرسال واشنطن 30 طائرة «تانكر» (للتزويد بالوقود في الجو).. من القواعد العسكرية الأوروبية إلى الشرق الأوسط؛ حيث تملك إسرائيل 7 طائرات فقط من هذا النوع. كما بدأت حاملات الطائرات الأمريكية مثل «يو إس إس نيميتز» التوجه نحو بحر عمان، وبات أكثر من ثلث القاذفات الأمريكية من طراز «بي-52» – التي تستطيع حمل قنابل يزيد وزنها على 32 ألف رطل – ترسو في قاعدة «دييجو جارسيا» في المحيط الهندي. وتستطيع طائرات «بي-52» التحليق لمسافة 9 آلاف كيلومتر، في حين أن المسافة ذهاباً وإياباً من قاعدة دييجو جارسيا حتى إيران هي نحو 5 آلاف كيلومتر فقط، مما يشير إلى أن هذه القاذفات الإستراتيجية تستعد للهجوم على إيران.
هناك أيضاً استراتيجية أمريكية يطلق عليها.. «قطف الثمار»، تقوم على دخول الولايات المتحدة الحروب.. عندما يكون حلفاؤها في طريقهم إلى النصر، وحدث ذلك في أكثر من حرب، أبرزها «الحرب العالمية الثانية»؛ حيث دخلت واشنطن الحرب في 7 ديسمبر 1941، مع أن الحرب بدأت قبل ذلك بأكثر من عامين في الأول من سبتمبر 1939.
تترافق كل هذه التحركات.. مع رفع واشنطن درجة التحذير لرعاياها (وأهالي جنودها) في منطقة الشرق الأوسط، التي ينتشر فيها 42 ألف جندي أمريكي. فما أدوات إيران للرد على أي مشاركة أمريكية مباشرة في الحرب الإسرائيلية على إيران؟ وما السيناريوهات التي يمكن أن تنتهي بها تلك الحرب؟ وهل هدف واشنطن فقط – من الذهاب إلى هذه الحرب – هو تدمير مفاعل «فوردو»، أم أن هناك أهدافاً أخرى غير معلنة أبعد من ذلك بكثير؟
خيارات إيرانية
رغم تدفق السلاح والذخيرة من الولايات المتحدة – و15 دولة في الاتحاد الأوروبي، والدول السبع الصناعية الكبرى.. إلى إسرائيل، ورغم دعم كل هؤلاء لما يسمى «بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس» – فإن لدى إيران سلسلة من الخيارات والأدوات، منها:
- إطالة زمن الحرب
وهي استراتيجية ستكون في صالح إيران، حيث تكشف الأرقام أن إسرائيل لن تستطيع الاستمرار في هذه الحرب أكثر من أسبوعين بمفردها. وفي حالة دخول الولايات المتحدة الحرب مباشرةً ضد إيران، يمكن أن تصبح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل عالقتين في مستنقع.. على غرار المستنقع الذي دخلته إسرائيل في غزة، ولا تستطيع الخروج منه حتى الآن، فالقراءة المتأنية لما يجري في الشرق الأوسط تشير إلى أن إسرائيل لديها «فرط في القوة، وإفلاس في السياسة». وكل الشواهد تقول إن الأداء العسكري والميداني الإيراني يتحسن يوماً بعد يوم، بما يسمح ببدء معارضة أمريكية وإسرائيلية داخلية لاستمرار الحرب.
هذا ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ينقسم المعسكر الجمهوري بين مؤيد ومعارض.. لدخول الولايات المتحدة الحرب. ويقول أنصار تنظيم «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى – ماجا» إنهم دعموا الرئيس ترامب ليكون «رئيس سلام» يوقف الحروب في العالم، وليس ليدخل حرباً جديدة، وفي حالة عدم الاستماع إلى رأي هذه الشريحة الشديدة التأثير في قرارات ترامب، فإن دخول واشنطن الحرب إلى جانب إسرائيل.. يمكن أن يضر بفرص فوز الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر 2026، وربما يضر أيضاً بفرص احتفاظ الجمهوريين بالبيت الأبيض في انتخابات 2028.
تأتي التحذيرات من أنصار ترامب.. بسبب الخوف من تكرار تجربة العراق مرة أخرى. ويردد هذا التيار الرافض لتورط الولايات المتحدة في الحرب على إيران.. أن الرئيس ترامب نفسه ظل ينتقد الحرب الأمريكية في العراق، وعلى مدار أكثر من 20 عاماً كان ينتقد الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن؛ لأنه دخل العراق منذ 2003.
- تفخيخ مضيق هرمز
يمكن لإيران أن تغلق مضيق هرمز، الذي تمر من خلاله نحو 20% من صادرات النفط البحري في العالم، عن طريق نشر «الألغام البحرية»، وحينئذ لن تمر أي سفينة، سواء أكانت تجارية أو عسكرية. وهذا الأمر سيكون له تأثير مدمر في الاقتصاد العالمي، وسلاسل الإمداد العالمية، وحينئذ يمكن أن يصل سعر برميل النفط إلى 500 دولار؛ مما يغير الحسابات الداخلية ليس فقط في الدول الأوروبية والآسيوية.. التي تشتري النفط؛ بل لدى الناخب الأمريكي الذي يحتل الأولوية الأولى لدى الرئيس الأمريكي؛ خاصةً أن الرئيس ترامب يقول دائماً إنه يفضل أسعار النفط المنخفضة، وإنه يشجع الاستثمار في استخراج النفط والغاز حتى لا ترتفع أسعار الطاقة، ومن ثَمّ يرتفع التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية.
- حلفاء إيران
حتى الآن تحتفظ إيران بورقة حلفائها وأذرعها في المنطقة، لا سيما في اليمن والعراق ولبنان. ودخول الولايات المتحدة الحرب، أو شعور النظام الإيراني بأنه أمام «خطر وجودي»، يمكن أن يدفع كل حلفاء إيران في المنطقة إلى دخول الحرب. ومع أن هؤلاء الحلفاء تعرضوا لضربات كبيرة ومؤلمة منذ 7 أكتوبر 2023، فإن كل المؤشرات تقول إنهم ما زالوا يحتفظون بقدرات لا يمكن إغفالها أو التهوين منها، ويمكن أن يستهدفوا المصالح والرعايا الأمريكيين في كل الإقليم العربي والشرق الأوسط.
- الصواريخ المتعددة الرؤوس
تشكل الصواريخ الإيرانية – من طراز «خرمشهر»، الذي يصل مداه إلى نحو 2000 كيلومتر، ويحمل سلسلة من الرؤوس الحربية، وليس رأساً واحداً، ويشبه «القنابل العنقودية» – تحدياً كبيراً لأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية. ولم تستخدم إيران إلا نسبة ضئيلة من تلك الصواريخ التي تستطيع حمل رأس حربي يزن أكثر من 1500 كيلوجرام، ويتميز بسرعته العالية، وقدرته على المناورة لتفادي الدفاعات الجوية.
وقد اعترف الجيش الإسرائيلي بأنه يواجه تحدياً كبيراً أمام تلك الصواريخ.. التي أصابت نحو 300 إسرائيلي في رشقة واحدة يوم 19 يونيو الجاري، في بئر السبع بجنوب إسرائيل. وهذه الصواريخ تختلف عن كل الصواريخ «أرض-جو» العادية؛ لأنها عندما تنفجر في الجو.. تطلق عدداً كبيراً من «القنابل العنقودية» في دائرة يصل قطرها إلى 8 كيلومترات، وتزن كل قنبلة 2.5 كيلوجرام، وهذا يمكن أن يزيد الضغط الداخلي على الحكومة الإسرائيلية.. التي عاشت الأسبوع الأول من الضربات في «نشوة سياسية» غير مسبوقة، كما استخدام تلك الصواريخ بكثرة يمكن أن يؤلب الجبهة الداخلية على حكومة نتنياهو.
4 سيناريوهات
الأول: سيناريو «الاستنزاف»
في ظل ما تتمتع به إسرائيل من قدرات عسكرية، ودعم الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية معها، ومع القدرة المعروفة عن الإيرانيين في احتواء الضربات وتحمل الألم، يمكن أن تطول هذه الحرب وتتحول إلى «حرب استنزاف» طويلة المدى. وهذا السيناريو ليس في صالح إسرائيل والولايات المتحدة، ويمكن أن يقوض المكانة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية، والانجراف إلى هذا السيناريو قد يكون نتيجة لاستمرار الحرب دون تحقيق إسرائيل أهدافها السياسية المعلنة من جانب نتنياهو وحكومته، مما يجعل تل أبيب تدخل مستنقعاً جديداً، شبيهاً بمستنقع غزة.
الثاني: سيناريو «الحرب الخاطفة»
وهو السيناريو الذي تفضله الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تراهن تل أبيب وواشنطن على أن السيطرة الجوية على الأجواء الإيرانية.. تتيح لإسرائيل حرية حركة، تجعلها قادرة على تدمير البرنامجين النووي والصاروخي في أيام قليلة. ويدَّعي نتنياهو أنه قصف 50% من منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية.. قبل مرور أسبوع على الحرب؛ مما يعني أن إسرائيل – وفق هذه الحسابات – تحتاج إلى أسبوع آخر لتحقيق أهدافها.
لكن في ظل الرد الصاروخي الإيراني – الذي بات يشكل «معادلة ردع» قوية ضد الضربات الإسرائيلية – يبدو تحقيق هذا السيناريو ممكناً.. إذا نجحت الاتصالات التي يجريها ستيفن ويتكوف – مبعوث الرئيس ترامب – مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لوقف الحرب، لكن لا يمكن تصور أن تكون هناك «حرب خاطفة» فقط من الجانب الإسرائيلي، وتستسلم إيران.
الثالث: سيناريو «حرب الأطراف المتعددة»
ويتحقق هذا السيناريو في حالة دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب إسرائيل، أو اغتيال إسرائيل للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي؛ فعندئذٍ سيدخل حلفاء إيران لاستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة.
الرابع: سيناريو «الحرب بالوكالة»
بعيداً عن الولايات المتحدة وحلفاء إيران الإقليميين، إذا طالت هذه الحرب، يمكن أن تدخل أطراف إقليمية ودولية أخرى إلى الحرب، خاصةً الدول والتيارات التي يمكن أن تتضرر مصالحها من هزيمة إيران، أو إضعافها؛ فعلى سبيل المثال، تُعد إيران شريكاً وحليفاً كبيراً لكل من بكين وموسكو، وقد سبق لطهران أن وقعت معهما اتفاقيات استراتيجية.. ذات مدى زمني طويل، وليس من مصلحة الصين أو روسيا أن تنهار إيران، أو يسقط نظامها، أو تتفتت جغرافيتها.
* باحث في العلاقات الدولية.
نقلاً عن «مركز الدراسات العربية الأوراسية»