عماد الدين حسين
هناك فيديو هزلي ساخر.. يصور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.. وهما يرقصان فرحين معاً، ويشجعهما – من الخلف – الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. عنوان الفيديو هو.. «نهاية الفيلم الهندي»، ومُصممه قصد أن الحرب الإسرائيلية-الإيرانية – التي استمرت 12 يوماً – كانت مجرد مسرحية أو «فيلم هندي».. بالمفهوم الشعبي الدارج. عدد العرب الذين يعتقدون أن ما حدث كان مسرحية كثير، سواء كمواطنين عاديين أو حتى بعض المسؤولين.
لا أملك المعلومات الحاسمة، لكي أؤكد هل كانت مسرحية أم لا، لكن – ومن خلال بعض المؤشرات – فأنا أميل إلى أن ما حدث كان حرباً، وعدواناً إسرائيلياً صارخاً.. بمشاركة أمريكية كاملة، حقق بعض الأهداف، وأخفق في بعضها الآخر.
السؤال: ما الأسباب والمؤشرات التي تجعلني أستبعد وجود المسرحية؟
الإجابة.. أن ألف باء المسرحية، تحتاج إلى طرفين متفقين يحصلان على مكاسب، ليس تكسيراً لطرف على يد آخر. ما رأيناه، أن إسرائيل شنت عدواناً سافراً على إيران يوم 13 يونيو الماضي.. دمرت خلاله العديد من منظومات الدفاع الجوي الإيرانية. فهل هناك مسرحية.. توافق فيها إيران على تدمير جزء كبير من مخزونها الصاروخي، ومنشآتها النووية، وتقبل فيها اغتيال أهم قادتها العسكريين، وأهم علماء برنامجها النووي؟! والأخطر، ما هو نوع هذه المسرحية ..التي تجعل إيران تقبل هذا النوع من المهانة القومية.. عبر الاختراق الاستخباري الإسرائيلي – غير المسبوق – لكل المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية والمجتمعية؟
السؤال الأخير: ما نوع هذه المسرحية، التي تجعل إيران تخسر معظم ما بنته منذ ثورتها عام 1979؟ فهي أنفقت الكثير من المال والجهد، ودخلت في عداوات كثيرة مع معظم بلدان المنطقة، وتمكنت من السيطرة الفعلية على القرار في هذه الدول؛ مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة. ونتيجة للتطورات منذ 7 أكتوبر 2023، فإن إيران تكاد تكون الخاسر الأكبر. هي فقدت سوريا بالكامل، وبالتالي انقطع الحبل السري إلى لبنان، وحزب الله تعرض لضربات عنيفة، والحشد الشعبي العراقي ضعف دوره تماماً، والحوثيون في اليمن.. تلقوا أخطر الضربات، أما غزة فلم تعد صالحة للحياة لسنوات، وتتمنى حركة حماس أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر. بعد كل هذا: كيف يمكن أن نطلق على ما حدث أنه مسرحية.
ما الذي يجعل إيران تقبل المشاركة في مسرحية.. تخسر فيه برنامجها النووي أو على الأقل يتم تعطيله لسنوات? وتخسر فيه أهم القوى والأذرع التي بنتها طوال السنوات الماضية? وما الذي يجعلها تشارك في مسرحية تخسر فيها معظم منظوماتها للدفاع الجوي، بحيث تصول المقاتلات والمسيرات الإسرائيلية والأمريكية، كما تشاء في سماواتها؟!
في الناحية الأخرى فإن هذه المسرحية المتخيلة.. مكنت إسرائيل من التحول إلى القوة الأكبر، والأهم في المنطقة، وصار رئيس وزرائها وكبار قادتها يتبجحون.. بأن يدهم قادرة أن تطال أي مكان في الشرق الأوسط. وبعد أن كانت إيران تأمل أن تكون القوة الإقليمية الأهم في المنطقة، صارت إسرائيل تعلن بوضوح.. أنها ستعيد بناء المنطقة على أسس جديدة. ونتذكر أن بنيامين نتنياهو.. رئيس الوزراء الإسرائيلي، كشف عن هذه المقولة ليلة الجمعة 27 سبتمبر الماضي، بعد دقائق من اغتيال حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، وهو الشخصية الأهم في المشروع الإيراني بالمنطقة. اغتالته إسرائيل ومعه كبار قادة وكوادر الحزب. فهل كان كل ذلك مسرحية؟!
مرة أخرى ظني أن قيام إيران بإبلاغ قطر.. بأنها سوف تقصف قاعدة العُديد في الدوحة.. وبالتالي إخلاؤها، هو الجزء «المسرحي» الوحيد في الموضوع، ومفهوم أنه موجه للرأي العام الإيراني.. لحفظ ماء الوجه، والسبب ببساطة.. أن إيران لم تعد قادرة على استمرار المواجهة مع إسرائيل وأمريكا، وكانت تخشى أن يكون الهدف النهائي.. هو إسقاط نظامها وتفكيك دولتها. وبالتالي، قبلت هذه النهاية المعقولة؛ بعد أن صمدت بصورة واضحة، وقصفت العمق الإسرائيلي.
الأحداث منذ 7 أكتوبر.. لم تكن مسرحية، إلا في لحظات قليلة، من دون أن يؤثر ذلك على جوهر أن المشروع الإسرائيلي حقق نتائج سياسية مهمة – على الأقل – حتى الآن.
وختاماً، لنفترض جدلاً أن ما حدث كان مسرحية. فالسؤال هنا: وما دور العرب فيها.. وهل كسبوا أم خسروا؟!
نقلاً عن «الشروق»